فلسطين أون لاين

الثمانيني الهمص.. ساعاتي رفح الأشهر منذ (60) عامًا

...
ابراهيم الهمص
غزة/ هدى الدلو: 

أكثر من ستين عامًا مضت ولا يزال محتفظًا بالمهنة التي تعلمها من عمه، يحتفظ بتفاصيلها كلها ويمارسها بشغف داخل دكان صغير لا تتجاوز مساحته ثلاثة أمتار مربعة، يضم بين جنباته أنواعًا مختلفة من الساعات الحديثة والقديمة، وأخرى تالفة أو تحتاج إلى تصليح أو تبديل بعض القطع فيها لتعود عقاربها إلى الدوران مجددًا.

الصوت الصادر عن عقارب الساعة وهي تسير لم يشكل يومًا مصدر إزعاج للمسن الفلسطيني إبراهيم الهمص، البالغ من العمر (82) عامًا، بل باتت لقلبه كمعزوفة موسيقية.

يقطن الهمص في مخيم يبنا بمدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة، ومن هناك يمارس مهنة الساعاتي منذ 62 عامًا.

التجاعيد التي ترتسم على وجهه تسرد وحدها حكاية عشق بينه وبين المهنة، فمع تقدمه في السن لا يزال مواظبًا على العمل في مهنته التي تعلم أدق تفاصيلها ونقل عمه إليه أسرارها.

يقول: "في عام 1958 رافقت عمي لتعلم كل صغيرة وكبيرة في هذا المجال، وبعد عامين تمكنت من البدء في العمل وحدي، حتى عندما سافرت إلى السعودية عملت في المهنة ذاتها".

وبعد عودته إلى وطنه فلسطين فتح محلًّا خاصًّا به قريبًا من بوابة صلاح الدين، ولكن بفعل الوضع القائم في القطاع والأحداث الميدانية من قصف واجتياح وغيره قرر تركه، يضيف: "كان ذلك قبل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، ونقلت المحل إلى وسط المدينة".

وقد تمكن الهمص من تعليم المهنة وتوريثها لبعض أبنائه، وباتوا يرافقونه في المكان لا يتركونه بمفرده للعمل في دكانه، يحفظون وجوه زبائنه، ويتعلمون منه بعض التفاصيل الدقيقة في هذه المهنة.

ويشير إلى أن العمل في هذا المجال يحتاج إلى دقة وتركيز وجهد كبير، ولذلك يستعين في أثناء تصليحه أعطال الساعات بعدسة مكبرة يضعها على عينه اليمنى، ليتمكن من معاينة القطعة الصغيرة وإصلاح المشكلة. 

يتابع الهمص حديثه: "لا أترك يومًا دون الذهاب إلى المحل من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الثانية، أقضي تلك الساعات في عالمي الخاص بين الساعات والعقارب، أصل إلى المحل قبل أبنائي إذ أعمل على ترتيبه وتنظيفه، والاهتمام بالبضاعة والقطع التي تحتاج إلى تصليح".

ولا يشعر الهمص بالوقت وهو في محله، فتمر الساعات سريعًا، يقضي جزءًا منها في صحبة الحديث مع أصدقائه أمام الباب، تجمعهم كأس من الشاي الساخن يدفئون به قلوبهم من الشتاء البارد.

ويرى الهمص أنه مع التقدم التكنولوجي، وعزوف بعضٍ عن ارتداء الساعات لا يزال هناك فئة لا بأس بها تهوى اقتناءها، خاصة من كبار السن الذين هم ليسوا من هواة الهواتف المحمولة، ويحتفظون بساعات قديمة. 

ويبين أن ارتداء الساعة في اليد له رونق خاص، فهي تعطي طابعًا خاصًّا لمرتديها، والهواتف المحمولة على حداثتها لم تلغِ قناعة بعضٍ بساعات اليد، إذ يقتنون الثمين منها، ويحرصون على الاهتمام بها والمحافظة عليها من التلف أو الإهمال بعمل صيانة دورية لها، كما بعض الزبائن الذين يترددون إلى محل الهمص.