فلسطين أون لاين

تقرير في الداخل المحتل.. ذوو ضحايا القتل بين ألم الفقد ونار الاحتلال

...
أحمد حجازي.. أحد الضحايا في الداخل المحتل (أرشيف)
الناصرة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

مساء الأول من شباط في عام 2009م أودت رصاصات غادرة بحياة الشاب معاذ كامل ريان، وهو يحتفل بافتتاح مشروعه الخاص، ومنذ ذلك التاريخ تتقاعس شرطة الاحتلال الإسرائيلي عن التحقيق في الجريمة وتدعي عدم قدرتها على معرفة القتلة.

فمنذ عام 2000م تفتك بالنسيج المجتمعي الفلسطيني في الداخل المحتل جرائم فاق تعدادها 1600 جريمة حصدت أرواح كثير من الشباب الفلسطينيين الذين بقيت دماؤهم "حبيسة أدراج العدالة الاجتماعية المفقودة"، إذ تدعي مؤسسات الاحتلال الشرطية والقانونية العجز عن الوصول للقتلة ومعاقبتهم، في حين تحل ألغاز الجريمة سريعًا، لو كان الضحية "يهوديًّا".

وعودةً إلى عائلة "معاذ" الذي كان قد أتم 25 عامًا من عمره؛ إن والده الشيخ كامل ريان يعد جريمة قتل ابنه جزءًا مما يواجهه المجتمع الفلسطيني منذ مشاركته في انتفاضة الأقصى، إذ انتشرت عصابات العنف والإجرام التي تفتك بالأرواح دون رادع.

ويستذكر اللحظات الصعبة التي رافقت مقتل ابنه حينما كان متوجهًا لافتتاح "السوبر ماركت" الخاص به فباغتته رصاصات قاتلة: "قبيل توجهه للمحل طلب من والدته أن تكفل له خمسة أيتام من غزة، لم نكن نعرف أنها وصيته الأخيرة، ومنذ ذلك اليوم نكفل عشرة أيتام تنفيذًا لوصيته".

فبعد نصف ساعة من خروجه وصل إلى العائلة خبر إصابته، وبعد نصف ساعة أخرى أخبروها أنه قد فارق الحياة، يضيف: "تمالكنا أنفسنا كما أوصانا شرعنا الحنيف، وارتدينا لباس الصبر ووضعنا حقنا بيد ربنا، وطلبنا العوض من الله".

محاربة العنف

وبمجرد انتهاء مراسم الدفن وقف الشيخ ريان على قبر ابنه، مخاطبًا المشاركين في الدفن طالبًا منهم عدم المس بقاتل ابنه، إن عرف، يقول: "فأنا لا أؤمن بفكرة الثأر، وأرى أن وظيفة الشرطة والقانون هي محاكمة الجاني، وليس لي التدخل في عملهم".

الجريمة التي قضت مضاجع العائلة شكلَت دافعًا لدى الشيخ كامل وزوجته للعمل على محاصرة العنف في المجتمع بإنشاء "المركز العربي للمجتمع – أمان"، لإيمانهما بأن العنف هو الخطر الداهم للمجتمع الفلسطيني بالداخل، ويهدد وجوده وحاضره.

بناء مجتمع جديد

ويبين أنّ أرقام الجرائم في الداخل الفلسطيني مرتفعة جدًّا مقارنة بالدول العربية التي بالجوار، ما يجعل من الضروري محاولة وقف فوضى السلاح، مضيفًا: "في المركز نرصد جرائم القتل كل حالة على حدة، ونحاول معالجة أسباب وجذور المشكلة وامتداداتها، وندفع باتجاه تشكيل سياسات حكومية وأهلية لوقف هذا النزف".

ويشير الشيخ ريان إلى أن المركز يرمي إلى إعادة بناء المجتمع من جديد، إذ يعاني سياسات احتلالية ظالمة جعلت مجتمع فلسطينيي الـ48 بحالة من الترهل والتفكك الأسري، فيقضي هو وزوجته جل وقتهما لمعالجة القضية التي يرونها آفة اخترقت النسيج المجتمعي، والتهديد الأول لمستقبل ووجود الفلسطيني على أرضه.

ويعمل الزوجان متطوعيْن متفرغيْن يعطيان المركز كل ما يملكان من وقت، يتحدث عن المنطلق الذي يتحركان منه: "إننا نعمل من منطلق جرح عميق في أسرتنا، ومن الناحية الثانية جرح مجتمعي أعمق يتمثل في كوننا أقلية داخل دولة الاحتلال، فلا بد من تضميد الجراح وإعادة بناء مجتمعنا، وما مُسّ به من ناحية الروابط الاجتماعية".

لم يكتمل حلمي

الحاجة "أم جبر حجازي" من قرية طمرة قضاء عكا المحتلة تموت في اليوم "ألف موتة"، بعد أن خطف رصاص طائش ابنها الأصغر "أحمد" (23 عامًا) وهو في ريعان شبابه، في الثاني من شباط (فبراير) 2021.

لم يكتمل حلمها برؤية أحمد طبيبًا إذ كان على وشك إنهاء دراسته الجامعية، ويتدرب في أحد المستشفيات.

في يوم مقتله طلب من أمه أن توقظه باكرًا للدراسة مع أحد أصدقائه، تقول: "توضأ وصلى ثم غادر المنزل، وما هي إلا ثلث ساعة حتى اخترق الرصاص سمعي وقلبي"، فصوت الرصاص الذي سمعته حجازي من منزلها أودى بحياة "أحمد" حين أراد أنْ يستكشف من منزل صديقه ما يحدث حوله، فاخترق الرصاص قلبه.

ومنذ تلك الحادثة الإعياء يحتل جسد الحاجة "أم جبر" بعد أن خطفت ابنها البار، "المتدين، المحترم، يواظب على صلاته، وصيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، كان حسن التعامل مع الجميع، مجتهدًا في دراسته" تعدد الأم المكلومة مناقبه.

ولا يقف الألم عند هذا الحد، فطي شرطة الاحتلال ملف مقتله مدعية عدم قدرتها على الوصول للقاتل يزيد من ألم حجازي، التي تقول: "دائمًا حق الفلسطيني مهدور لدى شرطة الاحتلال، لا أقول سوى حسبي الله ونعم الوكيل".

وإذ بلغت حصيلة ضحايا جرائم القتل في الداخل المحتل عام 2021 الماضي 111 ضحية، منهم 16 امرأة؛ تعرب حجازي عن أملها في أنْ تنتهي مآسي القتل في الوسط الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، ويجمع السلاح المستخدم للقتل، مضيفة: "عانينا كثيرًا من هذا الرصاص الطائش، قد قتل أعز أحبتنا".