فلسطين أون لاين

ممنوعة من مغادرة البلدة القديمة في القدس

تقرير الفلسطينية فايزة.. سجينة "لم الشمل" منذ (25) عامًا

...
غزة/ هدى الدلو:

لم تكن تعلم أن ارتباطها بابن عمتها قبل 25 عامًا سيكون أشبه بالعيش على جزيرة بلا قارب يوصلها إلى الضفاف الأخرى من حولها، إذ وقعت في براثن الحرمان من الحصول على هوية تسمح لها بالتنقل.

تقول الفلسطينية فايزة زيادة (44 عامًا)، المولودة لأب فلسطيني من غزة وأم مصرية، إنها انتقلت للعيش في القدس مع ابن عمتها بعد زواجهما عام 1996، وأقيم العرس بالقدس من دون أن تحضره عائلتها، التي لم تستطع الحصول على تصريح إسرائيلي، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم لم تزر عائلتها في مصر، لأنها تعلم أن الاحتلال لن يسمح لها بالعودة إلى بيتها وأبنائها في القدس، بحجة أنها لا تحمل الإقامة.

فقدان الوالدين

في بداية حياتها استطاعت التنقل في مدينة القدس بشكل شبه طبيعي لعدم وجود الحواجز العسكرية، لكن الأمر بدأ يضيق شيئًا فشيئًا مع انتشار حواجز جيش الاحتلال ونقاط التفتيش، ما دفع فايزة للدخول في دوامة الحصول على الهوية، والتيه بين الأوراق الرسمية والمصاريف المالية، وسط ضغط نفسي ومالي ينتهي في كل مرة بالرفض.

مع مرور السنوات بدأ قلبها يشتعل اشتياقًا لعائلتها وأهلها، فسماع صوتهم عبر الهاتف لم يشعرها بالقرب منهم، خاصة بعد مرض والدتها، تقول: "حاولت السفر إلى مصر للاطمئنان على صحة أمي ولم أنجح، توفيت دون أن أتمكن من وداعها".

لم تتخلَّ فايزة عن أمل لقاء والدها حتى اللحظة الأخيرة، وشعرت كأن العيد حل عندما حصل على تحويلة طبية إلى مشفى المقاصد في القدس، لكنه توفي يوم التحويلة، بعد عشرة أشهر من وفاة زوجته.

حتى أبناؤها السبعة الذين يحملون الهوية الزرقاء هي محرومة إضافتهم إلى أي ورقة ثبوتية تثبت أنهم أبناؤها، وكأنه غير معترف بها.

تصريح محدود

لم تستسلم فايزة، فطرقت أبواب المراكز الحقوقية والمحامين، وتقدمت أعوام 1997 و2008 و2016 بطلب للمّ شملها مع زوجها وأبنائها، لكن قوبلت الطلبات بالرفض، حتى تمكنت في بداية آذار (مارس) من 2020 من المثول أمام قاضي المحكمة الإسرائيلية في قرية دير ياسين.

وفي حين تمتلك فايزة الأوراق الثبوتية كلها بأنها ولدت وعاشت في مصر؛ يصر ممثل داخلية الاحتلال على أنها عاشت وسكنت في غزة بين عامي 2005 و2008، ضحكت فايزة ساخرة لتجيبه أنها أنجبت طفليها عهد وفاروق في تلك السنوات بالقدس، "ومن الصعب أن تحدث تلك العملية بطريقة لا سلكية".

قبل عامين مُنحت فايزة ورقة تسمح لها بالتنقل داخل أسوار البلدة القديمة فقط، لكنها لا تملك تأمينًا صحيًّا يمكنها من العلاج.

تفقد فايزة رونق الحياة الاجتماعية، تتوق لاجتماع العائلة في العطلة الصيفية، وشهر رمضان، والأعياد، وكلما رأتهم عبر الهاتف مجتمعين شعرت بأن أحدًا أوقد النار في قلبها، تقول: "كانت إمي تسألني متى بدي أشوفك وأحضنك، وتدوقي كعكاتي، لكنها توفيت بمرض السرطان".

تكمل: "فقدت الكثير من الأشياء منذ بداية حياتي، حضن والدتي ووجودها بجانبي في أول حمل لي لتمسك يدي وتخفف عني آلام الولادة، أصبحت أكره قدوم الأعياد، خاصة عندما أرى جاراتي وزيارات أهلهن لهن، يحاولن التخفيف عني بزيارتي، لكن الجرح في قلبي ينزف، فلا أجد أحدًا من أهلي يدق بابي".

حتى مع وجود فايزة في القدس وصولها إلى المسجد الأقصى محفوف بالمخاطر، لا يفصل بين بيتها وباب الساهرة سوى أمتار معدودة، لكنها تتحرز عند الوصول إلى الأقصى، تقول: "جنود الاحتلال على أبوابه يطلبون الهوية شرطًا للدخول، وأنا لا أملكها".

وللسبب ذاته لا تستطيع فايزة زيارة ابنتها الكبرى التي تزوجت وعاشت في بلدة شعفاط على بعد كيلومترات قليلة من القدس، كما لا تستطيع زيارة شقيقتها جهاد التي تسكن في مدينة رام الله، على بعد 15 كيلومترًا من القدس، بسبب الحواجز الإسرائيلية التي تفصل بين المدينتين.

وقد طال تأثير فقدان الهوية نفسية أبنائها الذين يعيشون حالة من التوتر والقلق خوفًا من أن يفقدوا أمهم في وقت ما بالترحيل أو الاعتقال، تضيف: "في أثناء مرافقتهم لي يسيرون أمامي لاستطلاع الطريق من حواجز وجنود".

تخرج فايزة من بيتها لقضاء حاجاتها الأساسية الضرورية، وبمرور الزمن يتعزز الشعور لديها بأنها تعيش في سجن، تقول: "حتى السجن أهون، السجين إن انقضت محكوميته يخرج من السجن، ويسمح له برؤية أهله خلالها، ولكني مسجونة دون ذنب، أفقد طعم الحياة، طفح الكيل معي، أفكر كثيرًا في الخروج، لكن نظرات أبنائي التي يملؤها الخوف تردني (...) أحلم بزيارة مصر لأرى بيت أمي، أشتم رائحة أنفاسها هناك".

ويعيش الفلسطينيون القادمون من الخارج، أو غير الفلسطينيين -لا سيما السيدات المتزوجات من فلسطينيين- الذين قدموا بتصاريح زيارة؛ بعد انتهاء تلك التصاريح تحت تهديد
بالترحيل في حال اعتقال قوات الاحتلال لهم، ويحرمهم ذلك التنقل داخل الضفة الغربية، أو السفر، أو إصدار الوثائق الرسمية التي تُعرف بـ"لمّ الشمل"، ما يعني معاناة مضاعفة، على حين يتخوف أهالي قطاع غزة الذين قدموا الضفة ولم يتمكنوا من تغيير مكان سكنهم من ترحيلهم إلى غزة، في حال اعتقالهم، إذ يصنفه الاحتلال "كيانًا معاديًا".