فلسطين أون لاين

ضمن ضغوط التهجير القسري

تقرير في صراع البقاء.. تُباد محاصيل النقب لاقتلاع "المتجذرين"

...
صورة أرشيفية
النقب المحتل- غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

ينتظر المزارع خليل أبو عنزة من قرية "وطن" المسلوبة الاعتراف الموسم الزراعي في فصلي الشتاء والربيع بصبر نافد، فالمناخ الصحراوي للنقب لا يُمَكنهم من الزراعة طوال العام، ولا تتركهم ما تسمى "السرية الخضراء" يهنؤون بذلك.

ويبين أن أهل النقب يعانون في جوانب حياتهم كلها منذ 74 عامًا، عقابًا لهم على تشبثهم بفلسطينية أرضهم، ورفضهم الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، يقول: "لذلك لا نحرم فقط كل أوجه الخدمات الأساسية والتطويرية، بل نحارب أيضًا في قوت يومنا".

يضيف أبو عنزة: "لا نكاد نزرع القمح والشعير وغيرهما من المزروعات لنأكل منها نحن ومواشينا حتى يباغتنا الاحتلال بتجريف المحاصيل وإبادتها قبل أن يكتمل نموها، ما يسبب لنا خسائر مادية باهظة، فبجانب التكاليف التي ندفعها لزراعة الأرض وحراثتها وتشغيل آليات لذلك؛ نضطر إلى اشتراء القمح والشعير لمواشينا، بعد تجريف الأرض".

ويتابع: "يريدون التضييق علينا بكل السبل، لدفعنا أصحاب الأرض الأصليين للرحيل، يقتحمون أراضينا ويجرفونها ويستفزوننا للاشتباك معهم، ونواجههم بصدورنا العارية".

ولا يقف مع المزارعين في تلك المحنة سوى "المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها"، الذي يساندهم في تنظيم فعاليات احتجاجية ضد سياسات الاحتلال، "أما حكومة الاحتلال فترى وتسمع احتجاجاتنا، ولكن لا مجيب" والحديث لأبو عنزة.

تصعيد غير مسبوق

موسم الزراعة أصبح موسمًا صعبًا على سكان النقب، فهم يقاسون من "الدولة الظالمة" التي تريد إخراجهم من أرضهم وتكديسهم في وحدات سكنية بعضهم فوق بعض، لكن المزارعين يصممون على فلاحة أراضيهم كل عام، مهما كلفهم الأمر، هذا ما يؤكده أبو عنزة.

ويمتلك 200 دونم يحرثها برفقة أبنائه وجيرانه الذين "يفزعون" لمساعدته بلا مقابل، وعدد من العمال، ما يكلفه قرابة 300 ألف شيقل، إذ يضطر إلى اشتراء الماء لري مزروعاته، يقول: "شهدنا في العام الماضي تصعيدًا غير مسبوق، فقد اقتحمت آليات الاحتلال أرضي واقتلعت 250 شجرة زيتون وتين معمرة، وزرعوا بدلًا منها أشجارًا شوكية".

ويعيش 44% من سكان النقب البالغ عددهم 300 ألف فلسطيني في 35 قرية متناثرة فوق أرضهم التاريخية، يصفها الاحتلال بأنها "غير شرعية" أو "غير معترف بها"، في منطقة تُعرف بـ"السياج"، في المثلث الواقع بين مدن بئر السبع وديمونا وعراد.

ولم تختلف رواية المسن عبد السلام أبو عنزة كثيرًا عن سابقه، غير أن الراوي يشهد بحكم سنه (81 عامًا) على الظروف البالغة القسوة التي يعيش فيها سكان النقب منذ النكبة عام 48، دون كهرباء أو مياه جارية، لدفعهم تحت ضغط الحاجة إلى الهجرة قسرًا والرحيل عن المنطقة.

يقول: "نعيش في بيوت من الصفيح، تأكل أجسامنا البرودة في الشتاء، ونقاسي الحر صيفًا إذ درجة الحرارة لا تقل عن 40 درجة مئوية، ومحرومون كل الخدمات: الطرق والتعليم والصحة".

ويتابع: "لا يقف الأمر عند هذا الحد؛ فالسرية الخضراء لا تتركنا في حالنا، تلاحق لقمة عيشنا وتجرف ما نزرع في كل عام، يتركوننا نزرع، وبمجرد أنْ تكبر الأشجار يقتحمون الأراضي ويقلبونها رأسًا على عقب".

و"السرية الخضراء" (سييريت يروكا) وحدة خاصة من شرطة الاحتلال أسست عام 1976، تضطلع بمهمة تأمين سلب فلسطينيي النقب أراضيهم وتجريفها ومنعهم من دخولها، بادعاء أنها "أراضي دولة" أو "أراضي مفتوحة" يمنع دخولها، ولـ"السرية" صلاحيات واسعة، منها فرض الغرامات والاعتقال والتوقيف وتفتيش الممتلكات.

ففي منطقة "نقع السبع" البالغة مساحتها 40 ألف دونم تقع الأرض التي يمتلكها المسن أبو عنزة، ورغم المعاناة التي يعيش فيها منذ نعومة أظفاره يصمم على المقاومة حتى الرمق الأخير، وعدم ترك أرض آبائه وأجداده، مهما كلفه الأمر من ثمن.

ويؤكد أنهم يسعون بنضالهم ضد التهجير القسري للعدالة الاجتماعية التي تقضي من الاحتلال منحهم سبل العيش الكريم على أرضهم.

ولا يملك أبو عنزة من سبل المواجهة شيئًا سوى أن يعيد حراثة وزراعة أرضه بعد كل عملية تخريب، ويشير إلى أن التجريف شبه منتظم إذ تقتحم "التراكتورات" الإسرائيلية كل أسبوع أرضًا لأحد المزارعين بالمنطقة، مضيفًا: "وفي إحدى المرات جرفوا ألف دونم دفعة واحدة، والشهر الفائت جرفوا أرضًا بالقرب منا، فخرج الأهالي في تظاهرة احتجاجية، فاعتقلوا منهم 150 مواطنًا، أغلبهم من الأطفال".

ويمضي إلى القول: "اقتلعوا أشجار الزيتون من أرضي، وأرادوا زراعة أشجار بدلًا منها، لكننا وقفنا لهم بصدورنا العارية ومنعناهم (...) حتى القش لم يسلم منهم، ففي العام الماضي حصدتُ الشعير وجمعتُ القش لأرعى حيواناتي، فجاءوا وقلبوا التراب فوق القش، وحرموني الاستفادة منه".