فلسطين أون لاين

لماذا ندافع عن حي الشيخ جراح؟

...

يجب أن نبدأ بمسألة من المسلمات في الحقائق الفلسطينية أن حي الشيخ جراح فلسطيني عربي بامتياز وليس لليهود أو الاحتلال الصهيوني أي حق قانوني وتاريخي فيه، ويقع الحي  شــمالي البلــدة القديمــة فــي مدينـة القـدس المحتلة، ويقطنـه أكثر من 3 آلاف فلسطيني،  ويتمتع حي الشيخ جراح بموقع جغرافي مهم حيث يقرب من منطقة باب العامود وبالتالي يمثل سورا لمنطقة البلدة القديمة والمسجد الأقصى، ويمنع التواصل بين التجمعات الاستيطانية، ويشكل درعا جغرافيا للأقصى، وتعود سبب التسمية وفق عديد المصادر التاريخية نسبةً إلى أحد أمراء صلاح الدين الأيوبيّ وهو الشّيخ حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، وكانت له  الزاويةُ الجراحيّةُ، التي أوقفها وبجانبها جامعُ الشيخ جراح، ويضم الحي عددا من المعالم الفلسطينية منها:  مدرسة دار الطفل العربيّ (1948) و قصر الأديب "محمد إسعاف" النشاشيبي (1948) إلى جانب  متحف دار الطفل العربيّ للتراث الفلسطينيّ (1978)، ويستهدف حي الشيخ جراح اليوم بلدية الاحتلال بالقدس والجمعيات الاستيطانية، إضافة إلى الحكومة الصهيونية نفسها، و تبني المؤسسة الاحتلالية إجراءاتها في الاستيلاء على أراضي ومنازل السكان بالحي برواية استيطانية أن الدولة العثمانية منحت الأرض ليهودي وفد من أوروبا عام 1888م، بموجب الحماية من الاضطهاد الذي تعرض له، وهو ما يتعارض مع حقائق فلسطينية تاريخية وقانونية، حيث إن أرض فلسطين بكل حدودها عربية ولا يمكن أن يتملكها عابر طريق، وهو ما يدحض الموقف الصهيوني من رواية الدولة العثمانية، إلى جانب ذلك فإن الحي أنشئ بعد عام 1948 بموجب اتفاقية بين الحكومة الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين عام 1954م، لتوطين عدد من العائلات الفلسطينية التي هجروا قسرا من أرضهم وبيوتهم بفعل الجرائم الصهيونية والمذابح خلال حرب عام 48، وقد اتفقت وزارة الإسكان والتعمير الأردنية على أن يتملك أولئك السكان المنازل بعد عام 1960م، ولأسباب لدى سلطة الأراضي بالأردن حال دون تحقيق هذا الهدف، وبفعل العدوان الصهيوني عام 1967م، وما تبعه من احتلال للقدس لم يتمكن الأهالي من تسجيل البيوت والأرض بأسمائهم مع الاحتفاظ بحقهم بموجب الاتفاق، ومع أن دائرة الأراضي الأردنية عللت حينها عدم إتمام التنازل بأن جزء من الأرض في الطابو العثماني كان مسجلا ليهودي لا يمكن إتمام إجراء التمليك، غير أن مصادر قانونية وتاريخية ذكرت أن مواطنا فلسطينيا من بيت لحم من عائلة البندك أكد بالوثائق ملكيته للأرض وقد باعها لمواطن بحي السعدية هو سليمان حجازي الذي بدوره تقدم للمحاكم الصهيونية بالقدس لإثبات حقه غير أن الاحتلال تنكر لذلك.  وأثبت أرشيف المحاكم الشرعية العثمانية هي لعائلة حجازي والمقيمة حاليا في حارة السعدية في القدس المحتلة.

تتمسك حكومة الاحتلال بروايتها الزائفة من حيث الواقع التاريخي والوثائق القانونية، وتصر على إتمام السيطرة على حي الشيخ جراح  من أجل إنشاء تواصل جغرافي مع المستوطنات الكبرى في القدس، وعزل البلدة القديمة عن عمقها العربي، الأمر الذي سيمهد لمشروع القدس الكبرى والذي يأتي ضمن الخطة الإستراتيجية الاستيطانية في مشروع إيجال الون عام 1970م، و تتمثل في زيادة يهودية في السكان يقابله انخفاض ديموغرافي للسكان الأصليين الفلسطينيين في أحياء البلدة القديمة، و تنفيذ مشروعات شق الطرق وإقامة وحدات استيطانية و متحف يهودي ومطاعم ومتنزهات، وتصل حتى منطقة غور الأردن، وتهدف الخطة لتحقيق الترابط الجغرافي عبر شق طرق مع المستوطنات الكبرى بالضفة الغربية، وعزل منطقة المسجد الأقصى، وتحقيق رغبات الجمعيات الاستيطانية العدائية من التحكم بالمسجد الأقصى و بناء الهيكل.

ليس ذلك فحسب بل طرحت حكومة بينيت مؤخرا مشاريع بناء استيطاني بالقرب من الأقصى ومنها، "كيدم أورشليم" المقرر أن يقام على أراضٍ صادرتها حكومة الاحتلال بعد احتلال القدس بالكامل عام 1967 بحجج وذرائع مختلفة، من بينها أنها أراضٍ حكومية أو إرث يهودي أو حق المنفعة. وتبعد عن سور المسجد الأقصى أربعمئة متر، وهو ما يهدد وجود منازل الأهالي في أحياء سلوان ومحيطها، ولذلك كل ما يطرح بناء استيطاني في القدس يقابله عمليات هدم قسر لمنازل المقدسيين الفلسطينيين تحت ذرائع واهية.

من هنا تتحدد مهمة الدفاع الفلسطيني عن حي الشيخ جراح  وأحياء القدس، وهذا التصدي ليس عبثا من الجهد، بل موقفا دينيا ووطنيا راسخا في تثبيت معادلة إفشال الرواية الصهيونية الكاذبة التي تحاول فرض الوجود الاستيطاني في الحي وعلى أنقاض منازل سكانية الفلسطينيين، فضلا عن قطع الطريق على محاولات تنفيذ مشروع القدس الكبرى أو ما تصبو إليه جمعيات الاستيطان، ويجب أن يتعاظم هذا الدفاع الفلسطيني المشرف الذي يقف حجر طود وصخرة عظيمة تتحطم عليها المؤامرات الصهيونية الرامية إلى عزل مدينة القدس ومسجدها الأقصى متخذة السيطرة والتهجير لحي الشيخ جراح عنوانا لهذا المشروع الخبيث، إن أخطر ما يواجهه الفلسطيني اليوم هو النأي بنفسه عن معركة الوجود في الشيخ جراح وسلوان وقطنة وغيرها. جميع أحياء القدس اليوم في مرمى الرصاص الصهيوني والهدف الاستيطاني المجرم، وعليه فإن دفاعنا الوطني الإسلامي عن الشيخ جراح منطلق من كذب الحق اليهودي في تملك الأرض، وسقوط الرواية الصهيونية بحكم التاريخ أن هذه الأرض من رأس الناقورة شمالا إلى منطقة رفح جنوبا  ومن البحر غربا إلى نهر الأردن شرقا هي فلسطينية بامتياز، ومطلوب منا فلسطينيا أن نجيش لهذه المعركة كل مقدرات وإمكانات من محيطنا العربي والإسلامي وتوجيه بوصلة الأمة نحو القدس وكما أراد الصهاينة أن يكون الشيخ جراح بالون اختبار لرد الفعل الفلسطيني فإن حي الشيخ جراح يجب أن يبقى حالة الفعل الغاضب والبركان المتفجر فلسطينيا وعربيا وإسلاميا في وجه هذا الاحتلال  العنصري.

وإن كان ثمة دور مهم في أدوات الدفاع عن الحي فإن المطلوب هو:

-       إبقاء معركة الرواية الفلسطينية ودحض سردية الاحتلال وروايته الكاذبة متصدرة في وسائل مواقع التواصل الاجتماعي، وتفعيل الدور الإعلامي المطلوب.

-       تكثيف الوجود الفلسطيني في محيط حي الشيخ جراح ومواصلة المواجهة مع الاحتلال ومستوطنيه وعدم ترك الساحة لهم.

-       تسليط الإعلام العربي والإسلامي والدولي على قضية الشيخ جراح وعدم إغفال هذا الجهد الدفاعي باعتبار أن مفاعيل معركة سيف القدس مستمرة وباقية حتى زوال الاحتلال عن أراضي الحي والعيش الآمن لسكانه الفلسطينيين.

-       تفعيل الساحات العربية والإسلامية بمختلف توجهاتها عبر توظيف طاقات الأمة قانونية وإعلامية وثقافية حول فلسطين والقدس والأقصى، ويمكن إنشاء روابط بين الفعاليات الشعبية والمؤسسات تجاه قضايا فلسطين (مواجهة الاستيطان، إعادة بناء ما يهدمه الاحتلال، مساعدة التجار في القدس، دعم الرباط في الأقصى ...الخ).

خلاصة: سيبقى الشيخ جراح فلسطينيا إسلاميا لا مكان للصهاينة فيه، والمعركة مستمرة ما دام هناك احتلال.