كان خطاب إسماعيل هنية رئيس حركة حماس أول من أمس الأربعاء خطابًا شاملًا لكافة القضايا الوطنية، المحلية، والعربية، والدولية، وقد شرح فيه سياسة حركة حماس تجاه كافة هذه القضايا، وكانت لغة الشرح والبيان واضحة ومحددة، فقد كان الخطاب الذي كان الأول بعد اختياره رئيسًا لحركة حماس مكتوبًا، مما يعني أنه كان محدد الألفاظ والدلالات، وكان خطابًا معدًا بشكل مسبق، دعيت إليه نخبة من قيادات العمل الوطني والإسلامي، وقادة المجتمع المدني، إضافة لأعضاء المجلس التشريعي، ووزراء سابقين.
لقد تميز الخطاب بالوضوح، والتأكيد على ثوابت القضية الفلسطينية وثوابت حركة حماس، مع دعوة إلى الصمود والتفاؤل في المستقبل، رغم الحالة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، والأمة العربية، في مرحلة يحكي الواقع فيها علو دولة (إسرائيل)، وانحياز أميركا لسياسة نتنياهو بشكل عام.
إن الأمة العربية كما جاء في الخطاب تمرّ بمرحلة غير مسبوقة من التمزق، والاستنزاف، وهناك من يتربص بها شرًا ويحاول توسيع رقعة التمزق والخلاف، والهدف الرئيس هو إضعافها، لكي يسهل عليهم تصفية القضية الفلسطينية، لذا دعا الفلسطينيين لأن يكونوا موحدين، ووعد بالوقوف أمام جميع الصفقات المشبوهة.
وحين تعرض للوضع المحلي وتعقيداته دعا إلى ضرورة مواجهة الاستيطان، والاعتقال، وحماية القدس من التهويد، والمسجد الأقصى من التقسيم الزماني والمكاني، وأكد على إسلامية حائط البراق، وذكر بثورة البراق التي تفجرت في عام ١٩٢٩م، ومما قاله: إن (عيوننا على الضفة الغربية، مركز الصراع)، ودعا إلى دعم صمود أهلنا في الضفة، في مواجهة الاحتلال، وهذا يتطلب وقف التنسيق الأمني، الذي وصفه بالمعضلة، وأكد أن حركة فتح كغيرها من الفصائل الوطنية والإسلامية ترفض التنسيق الأمني.
وكان الخطاب متوازنًا على المستوى العربي والإقليمي، فقد شكر كل الدول العربية والإقليمية التي تدعم الحقوق الفلسطينية، وتلك التي تهتم بمساعدة غزة إنسانيًّا في إعادة الإعمار فشكر قطر، وتركيا، وإيران، والسعودية، ومصر، مؤكدًا على أن صفحة جديدة تفتحها الحركة مع مصر منذ زيارات وفد حماس الأخيرة للقاهرة، وأبدى تفاؤله بالمستقبل، ووصف الدور المصري بأنه دور رائد وواعد. وأكد على أهمية أن تجتمع الدول العربية على كلمة سواء، وأن تحل ما بينها من مشاكل بالحوار الأخوي والتفاهم، وظل إسماعيل هنية على مسافة واحدة تقريبًا من الأشقاء في أزمة الخليج، وتمنى للوساطة الكويتية النجاح.
وحين قال للفصائل (إن فلسطين تجمعنا) دعاها جميعا إلى صياغة برنامج سياسي موحد، وإلى العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، والتحضير إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، وانتخابات المجلس الوطني، وتحديد موعد لذلك كله، كما دعا السلطة إلى وقف التنسيق الأمني، وإلى التراجع عن الإجراءات العقابية التي اتخذتها مؤخرًا ضد غزة، ودعا فتح إلى تفعيل وتنفيذ الاتفاقات الموقع عليها، ويفهم من كلامه أيضًا أنه يحمل بشارة للأسرى في سجون الاحتلال، وأن تحريرهم من السجن سيكون قريبًا بإذن الله.
قلنا في البداية: إن الخطاب كان شاملًا وواسع النطاق، ولم يقفز عن أي من المسائل الفلسطينية، فخاطب إسماعيل هنية الفلسطينيين في مخيمات لبنان وسوريا، وفي داخل الخط الأخطر، وأوروبا، وبقية الشتات، وحيا العمل الوطني الذي تقوم به هذه الأطراف جميعًا، وقال: إنه يصب في النهر الكبير للعمل الوطني الذي يجمع الجميع، وأكد على وسطية حماس واعتدالها، وأنها ترفض الإرهاب والتطرف، وبوصلتها تتجه دائمًا نحو القدس.