القشة التي قصمت ظهر البعير، عبارة يمكن أن نُطلقها على اجتماع المجلس المركزي في رام الله في السادس من فبراير الحالي، وسط مقاطعة واسعة من غالبية الشخصيات الوطنية والقوى السياسية الفاعلة في الساحة الفلسطينية، للدلالة على أن الحالة الفلسطينية لا يمكن لها أن تستمر في شكلها الحالي بعد خمسة عشر عامًا من هيمنة فريق التنسيق الأمني على القرار الوطني، وإقصائه العنيف لجميع الشخصيات والقوى الوطنية التي حاولت طوال السنوات الماضية إعادة تصحيح المسار السياسي العقيم الذي ما زالت تتمسك به قيادة السلطة الفلسطينية رغم ثبوت فشله وانسداد أفقه السياسي للقاصي والداني.
الترتيبات الجديدة لخلافة محمود عباس والتي قامت بها قيادة السلطة بشكل منفرد في رام الله بتعيين رئيس جديد للمجلس الوطني الفلسطيني بشكل مخالف لقانون المجلس، وملء شواغر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بشخصيات مدعومة من الاحتلال والإدارة الأمريكية وبشكل مخالف للنظام والإجماع الوطني الفلسطيني يؤكد أننا أمام مرحلة سياسية جديدة تستوجب استحداث أدوات وطنية جديدة تناسب طبيعة المرحلة وتؤدي إلى إيقاف حالة الاستنزاف والتراجع التي تمر بها القضية الفلسطينية نتيجة الفشل السياسي الكبير الذي مُنيت به قيادة السلطة في رام الله، وتعنّـتها السلبي الرافض لإنهاء الانقسام على قاعدة الشراكة الوطنية.
البيان المشترك الذي أصدرته حركتا حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعدم الاعتراف بمخرجات اجتماع المجلس المركزي الأخير نظرًا لعدم شرعيته، ورفضها التعيينات المخالفة للإجماع الوطني يمكن أن يشكل نقطة انطلاق نحو تشكيل تحالف سياسي فلسطيني يضم كل الأطر والشخصيات الوطنية الرافضة للمسار السياسي الفاشل الذي تتمسك به قيادة السلطة في رام الله، والذي يقوم على التنسيق الأمني، وملاحقة المقاومين، والقضاء على جميع أشكال المقاومة للاحتلال والاستيطان في الضفة المحتلة.
إن إطلاق هذا التحالف السياسي الفلسطيني بات ضرورة وطنية لا بد منها، فالاستنزاف السياسي، وتراجع التأييد للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي نتيجة الفشل الدبلوماسي للسلطة الفلسطينية، وتفردها في القرار الوطني، وصل إلى ذروته، والأدهى أن المستقبل لا يبشر بخير للقضية مع التوقعات بتبوؤ الشخصيات المدعومة من جيش الاحتلال مناصب رفيعة تحتل صدارة المشهد السياسي الفلسطيني، ما يعني مزيدًا من الاستنزاف والتراجع ينتظر القضية الفلسطينية في المستقبل في حال أقر الشارع الفلسطيني بالتعيينات الأخيرة في المجلس المركزي.
إن بناء تحالف سياسي جديد وفق رؤية وطنية تعمل على إنهاء حالة التشرذم التي يعيشها الفلسطينيون يتطلب قرارات سياسية استثنائية، وسَعة أفق، ونظرة ثاقبة للمستقبل، يجب أن يتحلى بها قادة القوى الداعمة للمقاومة، وتقديم تنازلات متبادلة تضمن تعزيز هذا التحالف بقاعدة جماهيرية واسعة تكسر هيمنة قيادة السلطة وحركة فتح في رام الله على القرار السياسي وإلزامها بقبول شراكة سياسية ووطنية تضمن تقويم المسار السياسي للقضية الفلسطينية.
أدرك صعوبة تقديم التنازلات السياسية والتقاء الرؤى المتفاوتة في وسط الطريق، لكن نجاح تشكيل الهيئة الوطنية لمسيرات العودة، وغرفة العمليات المشتركة في غزة، وقوة اتحاد الأيادي الضاغطة على الزناد في جنين شمال الضفة يؤكد أن الوحدة الفلسطينية على قاعدة المقاومة هي أمر ممكن ومُتاح، ولا يتطلب سوى تتويجه بتشكيل جسم سياسي صُلب ينافح دفاعًا على البندقية المقاوِمة، ويشكل جبهة وطنية عريضة في مواجهة مخططات الاحتلال بما يُرغمه صاغرًا على التقهقر، ويضمن للفلسطينيين إعادة مشهد اندحار المحتل خائبًا عن الأرض الفلسطينية كما حدث في غزة في أغسطس من عام 2005م.
ختامًا فإنني أدعو إلى إطلاق حملات إعلامية وفعاليات وطنية تهدف إلى تعزيز الشراكة السياسية، وتشكل ضغطًا جماهيريًّا ونخبويًّا باتجاه البدء بوضع رؤية سياسية وطنية تضمن استعادة القضية الفلسطينية مكانتها الطبيعية في طليعة القضايا الدولية، في ظل تصاعد الخلافات السياسية وتزاحم الملفات الشائكة في المنطقة العربية والعالم أجمع.