وأخيراً، عُقد المجلس المركزي المذيل بـ"الفلسطيني" وقد فقد هذه السمة منذ أكثر من ربع قرن، أي منذ اتفاق القاهرة في عام 2005 الذي توافقت على قاعدته فصائل العمل الوطني على تحصين القلعة الوطنية بمشاركة الكل الفلسطيني في جبهة متراصة وببرنامج مقاوم وبعمل ميداني يستنزف العدو ويُراكم نقاط القوة حتى إحداث التحولات النوعية التي تزلزل أركانه وتحرر الأرض والإنسان من آخر احتلال نازي كولونيالي بغيض.
ولا بد في البداية تأكيد حقائق أساسية، وهي أن المجلس المركزي يفتقد شرعيته فهو لا يمثل أكثر من 20% إلى 25% من الطيّف السياسي الفلسطيني ونحن نرى أن القوى الحيّة والمقاومة والفاعلة على الساحة الفلسطينية هي خارج هذا المجلس وكذلك خارج كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بل إن المجلس المركزي يعمل بمرجعية صك إذعان أوسلو الذي ينص على قدسية التخابر مع العدو -كما يؤكد دوماً عباس- وعلى وصف شعبنا الفلسطيني بالسكان داخل كيان العدو وتحت سيادته الكاملة.
لقد أعلنت كل الفصائل الوطنية الفلسطينية الوازنة مقاطعتها لهذا الكرنفال غير الوطني، وأكدت أن أي انعقاد يجب أن يبدأ بتحديد تواريخ مقدسة لانتخابات ديمقراطية شفافة كاستحقاق وطني أول يتمكن فيه شعبنا الصامد المرابط من انتخاب حرٍ لممثليه في جميع الهيئات المرتبطة بمنظمة التحرير كالمجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية وكل الدوائر المنبثقة عنها.
ولقد تم التأكيد على كل ما تقدم منذ اتفاقات عام 2005 مروراً باتفاق عام 2011 وحتى لقاءات الأمناء العامين في بيروت ورام الله، وتلك اللقاءات التي عُقِدت مؤخراً في الجزائر بدعوة من القيادة الجزائرية الشقيقة.
ولم تنطلِ على أحد تلك الشعارات ذات البريق الأخاذ التي وردت في البيان الختامي، وقد تكرر رجعها الخاوي منذ سنين.
فقد "قرّرَت" دورات انعقاد المجلس المركزي وكذلك الوطني، واللجنة التنفيذية منذ الأعوام 2015، 2018 وبعد ذلك في اجتماعات الفصائل، تعليق الاعتراف بكيان العدو، وعلى إنهاء التزامات المنظمة والسلطة بكل الاتفاقيات معها، ومن بينها وقف كل أشكال التنسيق معه إلى حين اعترافه بالدولة الفلسطينية على حدود الخامس من حزيران وبالقدس الشرقية عاصمة لها.
ولم ينسَ المجلس المركزي أيضاً رفض صفقة القرن، كما طالب واشنطن "بالوفاء بعهودها" بفتح المكتب الإعلامي للمنظمة في واشنطن وإعادة افتتاح القنصلية الأمريكية في القدس، بل وتجرأ المجلس المركزي على أن تلتزم الإدارة الامريكية الوقوفَ "بحزم في مواجهة" تل أبيب من أجل وقف الاستيطان وتلك الانتهاكات الجسيمة في فلسطين المحتلة!
وكان لافتاً أن انعقاد المجلس المركزي لم يأتِ إلا لحل عدد من المعضلات الداخلية التي تواجه حركة فتح وكذلك سلطة كرزاي في مقاطعة رام الله المحتلة، وهي كثيرة بل وتتفاقم مع مرور كل يوم.
تلك المآزق التي فرضت انعقاده بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات على عقده في تشرين الأول/أكتوبر لعام 2018، ومعلوم أن اللائحة الداخلية للمجلس المركزي تنصُّ على ضرورة عقد دوراته العادية كل ثلاثة أشهر لكونه مؤسسة وسيطة بين المجلس الوطني وهو برلمان الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده داخل الوطن وخارجه، واللجنة التنفيذية.
ويعلم كل من يتابع الشأن الفلسطيني العام أن منظمة التحرير الفلسطينية باتت معطلة منذ توقيع صك إذعان أوسلو عام 1993، بل وأصبحت وزارات السلطة في رام الله المحتلة بديلاً لدوائر المنظمة المختلفة.
وتشير فصائل العمل الوطني صغيرها قبل كبيرها ومنظمات المجتمع المدني والمراقبون عن كثب تطورات الحالة الفلسطينية، أن ما تم من اجتماعات إنما جاءت لتكريس نهج انعزالي يعمل تماماً خارج الشرعية الوطنية ويُوغِل في التآمر على الثوابت الوطنية ويخطط لوأد ما تبقى منها، بل ويعلن جهاراً خططه للقضاء على المقاومة الشعبية كما يجري في نابلس (بيتا، برقة، بيت دجن) والخليل وكل بؤرة للمقاومة في القدس والضفة الفلسطينية المحتلة.
كما يتناقض جوهر الخطط التي ينفذها المجلس المركزي وسلطة حركة فتح وعلى نحو جَلي مع البرنامج الكفاحي الذي تأسست لإنفاذه وإنجازه منظمة التحرير الفلسطينية، بل أضحت المنظمة مسقوفة بسياسات السلطة وملحقة بها تمهيداً لإنهائها.
وهذا هو بيت القصيد لدى دولة العدو، التي ترى وبأم العين أن كل محاولات عصابة المقاطعة وبكل الدعم التسليحي والأمني واللوجستي والمالي للسيطرة على الضفة المحتلة تذهب أدراج الرياح، وهي تخشى اليوم أن تتمكن فصائل المقاومة وفي مقدمتها حماس من ملء الفراغ الناجم بدعم شعبي كبير يتبدى بعمليات عسكرية لا تتوقف ومقاومة جماهيرية باتت سمة الموقف المتفجر في كل ضفة القسام.
ردود الفعل على عقد دورة المجلس المركزي مؤخراً باتت تنذر بتحول نوعي غير مسبوق وهناك إجماع وطني يتبلور وعلى نحو متسارع بضرورة تجاوز وعزل هذا التيار المتخابر وما تبقى من فصائل انتهازية متآكلة لا تحرز صفراً في المعادلة الوطنية الفلسطينية، والدعوة لانعقاد اجتماع عاجل للأمناء العامين لتشكيل مجلس وطني انتقالي والتوافق على قيادة تدير هذه المرحلة الحاسمة لمواجهة العدو والإعداد لانتخابات فلسطينية شاملة لكل الهيئات وبالتوازي للمجلس الوطني، وللمجلس التشريعي، وللرئاسة.
وهذا الذي بشرنا به البيان الختامي الذي أثلج صدور الوطنيين لكل من حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي لقي تأييداً جماهيرياً واسعاً ودعماً من كل الفصائل الحية.