مشادات كلامية وعراك بالأيدي بين المستوطنين المتطرفين والمقدسيين الذين لا يملكون إلا سلاح الصمود في وجه هؤلاء القطعان الذين يختبئون خلف جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، مع افتتاح عضو "الكنيست" إيتمار بن غفير مكتبا جديدا له على أرض عائلة سالم في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة.
أشبه بحرب مستعرة تدور رحاها، بعدما اقتحم "بن غفير" منزل وأرض عائلة سالم في الشيخ جراح، استكمالاً لمسلسل التهجير والتطهير العرقي الذي يخوضه المستوطنون الذين يشكلون ذراع حكومة الاحتلال بقيادة نفتالي بينيت.
تجمهر عشرات المقدسيين على أرض عائلة سالم، رفضاً لإقامة "بن غفير" خيمة تضم مكتباً له بذريعة "توفير الحماية للمستوطنين"، اندلع على إثرها مواجهات عنيفة، استخدمت خلالها شرطة الاحتلال الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ورش الفلفل الحار.
ليلة قاسية رافقها الخوف والقلق مرّت على عائلة "سالم" التي اقتحم المستوطنون مُحيط منزلهم، كما تقول فاطمة صاحبة المنزل "أنا خايفة يحرقونا جوا دارنا، هذا الخنزير -بن غفير- من الليل وهو بجمّع المستوطنين".
وتوضح سالم، أن المتطرف يتهم عائلتها بحرق منزله، "لكن إحنا ما اعملنا شيء له، وهو بتهجّم علينا"، تقول بصوت رافقه الخوف.
لكن تحاول أن تستجمع قوتها فتردد "بدهم يمنعونا نقعد في أرضنا، وهذا مستحيل، لأنه هذه أرضنا وبيتنا ومسجلة في الطابو الأردني"، مناشدةً كل الشرفاء في العالم الوقوف إلى جانبهم والتصدي لقطعان المستوطنين.
وفي مايو/ أيار الماضي، حاول بن غفير نقل مكتبه إلى الحي لكن أهالي الحي والمتضامنين تصدوا له، فيما منعته حكومة بنيامين نتنياهو آنذاك، من القيام بتلك الخطوة "خوفًا من التصعيد".
تطهير عرقي
المقدسي محمود صالحية، لم يترك عائلة "سالم" وحدها، إذ راح يساندهم في التصدي لممارسات المستوطنين القمعية، قائلاً: "سنبقى جنباً إلى جنب صامدين حتى دحر هؤلاء المجرمين عن أرضنا".
يضيف صالحية الذي هدمت جرافات الاحتلال منزله بالقوة قبل شهر تقريباً لصحيفة "فلسطين"، أن حكومة الاحتلال تمارس سياسة التطهير العرقي ضد سكان حي الشيخ جراح، من خلال ممارساتها العنصرية والضغط عليهم ودفعهم لترك أراضيهم.
ويؤكد أن المستوطنين يمارسون كل سياسة البلطجة والضرب ضد أهالي حي الشيخ جراح، لكونهم يتمتعون بحماية كاملة من شرطة الاحتلال وحكومته المتطرفة، مشيراً إلى أنهم مصرون على سرقة منزل عائلة "سالم".
ويتابع أن "المستوطنين وشرطة الاحتلال والحكومة هم عصابة متكاملة يريدون القضاء على الفلسطينيين وتهجيرهم بالكامل من كل القدس"، منبّهاً إلى أن محاكم الاحتلال أيضاً متواطئة مع المنظومة الحكومية كلها.
وبحسب صالحية، فإنه لا يوجد أي قانون إسرائيلي يحمي الفلسطينيين، بل إن جميعها تناصر المستوطنين وتدفعهم لارتكاب المزيد من جرائم التطهير العرقي في الأراضي الفلسطينية.
أوضاع متفجرة
ويقول عضو هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس مازن الجعبري، إن الأوضاع في حي الشيخ جراح ما زالت "متفجرة" وخاصة في المنطقة الغربية من الحي، حيث يقع منزل عائلة "سالم".
ويوضح الجعبري في حديثه مع "فلسطين"، أن سلطات الاحتلال تركز ممارساتها في الوقت الراهن على المنطقة الغربية من الحي، والتي يقطنها حوالي 40 عائلة مقدسية، منبهاً إلى وجود أمر تهجير لعائلة "سالم" سيتم تنفيذه في شهر مارس القادم، لمصلحة جمعيات متطرفة وفق قرار محكمة الاحتلال.
وأكد أن اعتداءات المستوطنين ضد سكان الحي لم تتوقف مطلقا لكنها ازدادت هذه الأيام تحديداً في المنطقة الغربية بهدف إجبارها على ترك منازلها، وأبرزها عائلة "سالم" التي تقطن منذ عام 1950.
ووصف خطوة "بن غفير" بإعلان إعادة فتح مكتب له في الشيخ جراح، "سياسية وترويجية لشخصيته الإرهابية"، بهدف رفع معنويات المستوطنين الموجودين في الحي، الذين يتصدى لهم الأهالي يوميًّا.
وبيّن أن الأوضاع حالياً متوترة في حي الشيخ جراح، إذ يتعرض الأهالي لاعتداءات متكررة من المستوطنين، مرجحاً أن تتدحرج الأوضاع وصولاً لتفجير آخر لهبة فلسطينية جديدة خلال شهر رمضان القادم.
وشدد على أن "الفلسطينيين لا يملكون سوى سلاح الصمود الشعبي، في التصدي لكل ممارسات المستوطنين"، مستدركاً: "لكن الاحتلال يحاول على مدار السنوات الماضية تفتيت هذا الصمود عبر سياسات التهجير والتطهير العرقي".
وختم الجعبري حديثه: "ما يجري في القدس هو عملية تطهير عرقي وطرد للسكان، بسبب تسارع التغول الإسرائيلي والاعتداءات على الممتلكات وهدم المنازل بشكل همجي، عدا عن إقامة المشاريع الاستيطانية، على مرأى مؤسسات الأمم المتحدة الموجودة في القدس والعالم بأكمله".