فلسطين أون لاين

في وقتٍ تعاني من أزمة مالية

خاص إنفاق هائل من السلطة على قطاع الأمن.. "التنسيق الأمني" مُكلفٌ أيضًا!

...
التنسيق الأمني مستمر رغم جرائم الاحتلال
رام الله- غزة/ يحيى اليعقوبي:
  • عمرو: الإنفاق بهدف حماية النظام الديكتاتوري
  • مدير "أمان": قانون الخدمة العسكرية يعطي امتيازات للضباط ولا بد من إعادة دراسته
  • دلياني: هناك دعم دولي مباشر للأجهزة لا يدخل في حسابات الميزانية

في وقتٍ يغيب دور أجهزة أمن السلطة في رام الله عن توفير الحماية للمواطنين، فإن قطاع الأمن يستحوذ على النسبة الأكبر من النفقات بنسبة 22% بمبلغ 3 مليار شيقل من إجمالي نفقات السلطة خلال العام 2021 البالغة 16 مليار شيقل، وهذا ما يثير تساؤلات حول حجم الإنفاق مقارنة بالدور الغائب عن حماية المواطنين والذي كشفت عنه حادثة اغتيال قوة إسرائيلية خاصة لثلاثة شبان بنابلس الثلاثاء الماضي، وتصاعد جرائم المستوطنين وجيش الاحتلال بالضفة الغربية.

ويعتقد مراقبون أن أغلب الميزانية يذهب لخدمة الاحتلال والتنسيق الأمني، دون الاهتمام بقطاعات أخرى على رأسها التعليم والصحة والزراعة، وهذا ما يكشف عنه أيضًا حجم الاعتقالات السياسية التي بلغت حسب ما رصدته مجموعة "محامون من أجل العدالة" 200 حالة ما بين موقوف أو مفرج عنه منذ منتصف مايو/ أيار الماضي حتى بداية ديسمبر/ كانون أول 2021.

يتعاظم الإنفاق على الأمن في وقت تمر به السلطة بأزمة مالية خانقة إذ لم تعد قادرة حتى على الاقتراض من البنوك المحلية بعد وصول الاقتراض إلى سقفه، بعدما وصل العجز في ميزانيتها إلى 1.7 مليار دولار، ليتدخل هنا الاحتلال ويقرض السلطة 800 مليون دولار، في نهاية آب/ أغسطس الماضي، وهو ما اعتبره مراقبون "رشوة" مقابل استمرار التنسيق الأمني وملاحقة المقاومين.

التنسيق الأمني

يعتقد الناشط السياسي زياد عمرو أن حجم الإنفاق الهائل يهدف لحماية النظام السياسي للسلطة لأنه نظام ديكتاتوري مستبد يستمد سلطته من قوة السلاح وليس من النزاهة والتعاطي مع قضايا الناس والتفويض الشعبي، بالتالي هو بحاجة للقوة العسكرية كي يتمكن من السيطرة على الشارع.

وقال عمرو لـ "فلسطين أون لاين"، إن ميزانية السلطة تصرف للتنسيق الأمني وهو مكلف وليس مجانيًا، فتدفع السلطة ثمنه وذلك عن طريق التجهيزات بدءًا باختيار الضباط وتجهيزهم بشكل خاص وتأهيلهم للتنسيق مع الاحتلال فضلا عن معدات القمع، وكلها على حساب المواطنين من خلال فرض الضرائب المستمرة.. وأضاف، "النظام المستبد والفاسد لا يتمكن من كسب الرضى والتفويض الشعبي، بالتالي يشتبك مع الناس كما حدث في قضية اغتيال السلطة للناشط السياسي نزار بنات، وكان هناك تغولا على المواطنين وفض المظاهرات الاحتجاجية بالقوة والقمع، وفي كثير من الأحيان تفاوضت السلطة مع الاحتلال لشراء سلاح ومعدات القمع".

ويعتقد الناشط السياسي أن هذا الخلل في الموازنة واستحواذ الأمن على نسبة كبيرة منها، نتيجة صرفها على كبار المتنفذين في السلطة وجزء منها يذهب كبدل مكافآت للمدراء العامين في حين لا يحصل الموظف العادي على أي شيء منها.

واللافت أنه في وقت يتعاظم الإنفاق على الأمن وإهدار ملايين الشواقل على مكافآت لكبار الموظفين، فإن السلطة تواصل تجاهل صرف المخصصات المستحقة لمستفيدي الشؤون الاجتماعية الفقراء والبالغ عددهم نحو 115 ألف أسرة للعام الثاني على التوالي..

شراء ذمم

يسلط تقرير "أمان" على ظاهرة "الموظفين غير العاملين" ويطالب بإنهائها، لكن عمرو يعتقد أن هذه الفئة هم من أبناء فتح ويتلقون رواتب على سبيل "الرشاوي" وهذه الرواتب تخصم من الضرائب والمساعدات الدولية التي تدفع لخدمة الشعب الفلسطيني، لافتا أن الهدف من ذلك هو ضمان إسكاتهم على الفساد.

ولفت عمرو إلى أن هناك عدة حوادث كصفقة اللقاح الفاسد، واغتيال نزار بنات، وقضية مستشفى السرطان "خالد الحسن" الذي غابت أموال التبرعات، وقضية أموال "وقفة عز" وكلها أمور لا يمكن السكوت عنها، وتستدعي من بعض أبناء فتح ربما الغيورين على المصلحة الوطنية أن يعلوا الصوت، معتقدا أن السلطة نجحت في شراء ذممهم بالتالي لا يجرؤ أحد على رفع الصوت.

بحسب المدير التنفيذي لائتلاف "أمان" بالضفة الغربية عصام حج حسين، فإن السلطة تستطيع تخفيض الإنفاق على قطاع الأمن، وذلك عن طريق إصدار اللوائح الخاصة بقانون الخدمة في أجهزة الأمن لاسيما تلك الخاصة بالتعيينات والترقيات والعقوبات، وإعادة دراسة قانون الخدمة العسكرية الذي يعطي امتيازات ومنافع كبيرة للعسكريين، وخصوصاً من الضباط وذوي الرتب المرتفعة.

وشدد حسين في حديثه لـ "فلسطين أون لاين" على ضرورة إعداد موازنات تفصيلية للأجهزة الأمنية كلّ على حدة، ومن ثم إدراجها في موازنة موحدة حسب تبعيتها الإدارية، وضرورة تقيّد مسؤولي الإنفاق في الأجهزة الأمنية بأحكام قانون المشتريات والعطاءات واللوازم العامة.

الأمر الآخر، وفق حسين، ترشيد عدد العاملين في بعض الاجهزة لصالح أجهزة أخرى وفقاً لحجم المهام المناطة بكل جهاز. حيث من المهم تطبيق عملية تدوير لعدد كبير من العاملين في أجهزة أمنية إلى جهاز الشرطة والضابطة الجمركية بعد تأهيلهم لذلك.

في وقتٍ اتهم عمرو السلطة بصرف ميزانيتها على التنسيق الأمني، يؤكد حسين أن المطلوب مزيد من الشفافية، ونشر المعلومات، ليتسنى للمواطن المشاركة والمساءلة على إدارة المال العام، والمطلوب إعادة توزيع أولويات الإنفاق بما يخدم أولويات ومصلحة المواطن .

دعم مباشر

ويؤكد القيادي في حركة فتح "التيار الإصلاحي" ديمتري دلياني، أهمية الأخذ بعين الحسبان أن هناك دعما دوليا مباشرا يذهب للأجهزة الأمنية لا يدخل في الميزانية الفعلية للأمن، وهذه المبالغ لا أحد يعلم فيها والهدف منها استمرار التنسيق الأمني.

ويربط دلياني وهو من مدينة القدس لـ "فلسطين أون لاين" هذا الدعم الكبير في موازنة الأمن بدعم مدينة القدس الذي لا يتعدى 1% من موازنة السلطة، مردفا: "إننا لا نشعر بوجود الأمن إلا عندما يتعلق الأمر باختلاف الرأي".

ويرى أن أجهزة أمن السلطة تخالف القانون الأساسي الفلسطيني الذي يسمح للمواطن بحرية التعبير عن رأيه فتقوم بالتضييق عليه إن كان رأيه مخالفا لتوجهات القيادة السياسية، مشيرا إلى أن العلاقة مع دولة الاحتلال اقتصرت الآن في التنسيق الأمني بدلا من أن تكون اشتباكية وتفاوضية، اقتصرت على تقديم خدمات أمنية مقابل الحفاظ على الوضع القائم وهو وضع مسيء للقضية وللشعب الفلسطيني.