الإطلالة الأولى لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية، حملت رسائل عدة وفي اتجاهات مختلفة على الصعيدين المحلي والخارجي، ورسم فيها الخطوط العامة لتحرك حركته خلال المرحلة القادمة، ويبدو من خطابه الارتياح رغم صعوبة الظروف الداخلية والإقليمية، محاولًا المرور بين الكلمات أو التصريح ببعض المواقف لتحديد علاقات حماس في المرحلة القادمة وهي لا تبعد عن الوثيقة السياسية التي أعلنت عنها حماس في الأشهر الأخيرة وقدمها رئيسها السابق خالد مشعل في خطابه الأخير.
داخليًا أراد هنية أن يرسي شكل العلاقة في محورين أساسيْن: الأول يرتبط بالعلاقة مع الفصائل الفلسطينية والتي يبدو أنها قطعت شوطًا كبيرًا نحو التوافق وخاصة مع الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وأجواء الحديث تدل على أن حماس معنية بهذا الملف بشكل كبير وترغب في تطويره ليصل لمرحلة تقديم مشروع وطني متكامل تتصدره حماس إلى جانب تلك القوى، وهو خطاب حمساوي ليس جديدًا لكن ازداد الحديث عنه، ومبررها في ذلك أنها أصبحت ترى أن من يقدم الدماء ويقود مشروع المقاومة هو جدير بقيادة المشروع الوطني الفلسطيني.
بينما المحور الثاني يرتبط بالعلاقة مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح وتحديدًا بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذها عباس ضد غزة مبررًا ذلك بمعاقبة حماس، وهنا رغم الهدوء في الخطاب لكن أظهر هنية مرارة الموقف والأزمة وتأثير الإجراءات على غزة، وأن سبيل المصالحة مع عباس وصل إلى نهايته وأن إمكانية الحوار لم تعد تستند على مبادئ وطنية، وهو بخلافات الخطاب المتعاد لحماس نحو إبقاء الباب مواربًا أمام العلاقة مع عباس، ومن الواضح أن ذلك هو توجه القيادة الجديدة لحماس.
وهذا لا يمنع أنه بخلاف المحورين السابقين قد أظهر هنية مرونة وحرصًا كبيرين تجاه المجتمع الفلسطيني ومكوناته والحفاظ على ما تم بناؤه في المرحلة الماضية وخاصة الحكومة والأجهزة الأمنية وحفظ الأمن وإرساء قواعد العمل الديمقراطي والمجتمعي، وهو خطاب جديد لحماس تبني عليه موقفها وسياستها الداخلية، وهو رسالة للمؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية.
في مسار حركة حماس في تطور علاقاتها الخارجية زاوج هنية بين القيم والمصالح، حيث الإشادة الواضحة والصريحة بقطر كنوع من الوفاء لها على ما قدمت خلال السنوات الماضية ودعمًا لها في الأزمة الحالية، حيث يتم حصارها تحت عدة مبررات من بينها دعمها لحركة حماس.
وفي نفس الوقت، أعلن عن بدء صفحة جديدة في العلاقة مع مصر التي تحاصر قطر ضمن سياسة حماس الجديدة التي تقارب بين مصالح الحلفاء والأصدقاء والخصوم، مستدلًا باللقاءات الإيجابية المصرية وكذلك التعاون الحمساوي الواضح مع مصر في الحفاظ على الأمن المصري، ويؤشر على إمكانية تطوير هذه العلاقة خلال الأيام القادمة وتقديم مزيد من خطوات بناء الثقة.
وموقف الإشادة بقطر رافقه الإشادة بتركيا ودورها السياسي والإنساني الداعم لغزة، وفي سياق تعزيز العلاقات أشاد هنية بدور إيران ودعمها للمقاومة وخاصة أن العلاقات الإيرانية الحمساوية عادت إلى الدفء القديم ويتوقع تطورها، والتي يبدو أن هنية والسنوار اتفقا على تعزيز تلك العلاقات خاصة أن إيران هي الداعم الأبرز لقدرات المقاومة في غزة.
لا يفوت هنية أن يشكر السعودية مرورًا، كعادة حماس في تقدير المواقف لكن بفارق واضح لصالح الآخرين.
في خطابه الأول بعد توليه رئاسة حماس أرسى هنية التوجهات العامة التي ترتكز على تعزيز الجبهة الداخلية بالاتفاق مع الفصائل على مشروع وطني جامع قد يضم في مرحلة لاحقة جزءًا من قيادة حركة فتح ممثلة بالقيادي محمد دحلان، وهو ما يشكل علاقة جديدة بين الجانبين خاصة أنها تتم بدعم وتشجيع مصري، وإقليميًا ترتيب العلاقة نحو تجنيدها لصالح القضية الفلسطينية وتلاشي الدخول في تضارب مصالح مع بعض الأطراف، وتجاوز المحاولات الإسرائيلية الأمريكية للزج بحماس في الاضطراب الإقليمي والاستفراد بها لاحقًا.