فلسطين أون لاين

منشؤها تربوي وتعالج سلوكيًّا

بين تعظيم وانزواء.. هكذا يورث الآباء "النرجسية" أطفالهم"

...
غزة/ هدى الدلو:

يحب براء جلال (9 أعوام) أن يسرق الأضواء ممن حوله ويفاخر الجميع بإنجازاته" تقول والدته التي اكتشفت ذكاءه في سن مبكرة، وألحقته بمراكز لحساب الذكاء العقلي، وبات يتقدم في المستويات، وتشجعه أمام الجميع لتفوقه، حتى بات يغتر بنفسه.

 بدأت الأم تشعر بنرجسية طفلها، إذ يعود من المدرسة غير مكترث في حال كان عليه اختبار مدرسي، ويقلل من مجهود شقيقه الذي لا يحصل على درجات عالية رغم دراسته.

 واضطراب الشخصية النرجسية (العظمة) حالة نفسية يتملّك المريض بها شعور مبالَغ فيه بأهميته، فضلًا عن حاجة عميقة إلى زيادة الاهتمام والإعجاب، واضطراب العلاقات، وانعدام التعاطف مع الآخرين، ولا يظهر شعور قلّة ثقة بالنّفس، ويعتقد أن العالم بأكمله يدور من حوله، والجميع يتمنى رضاه لتفرده.

ويعتقد شادي طه أن نرجسية الأطفال تظهر غالبًا لدى الابن، إذ يوليه الأبوان اهتمامًا تربويًّا خاصًّا، "فيغدقان عليه بصفات التعظيم بغض النظر عن الإنجازات التي يقدمها وبساطتها، ويكرمانه بالاحترام والمكافآت، وغالبًا تكون طلباته مجابة".

ويعزو الاختصاصي النفسي د. إبراهيم التوم ظهور هذا النمط من الشخصيات بين الأطفال إلى الأسلوب التربوي، كتقييمه وتعظيمه أكثر من الواقع، فالآباء الذين يخبرون أطفالهم بأنهم أكثر تميزًا أو يستحقون أكثر من غيرهم قد يلعبون دورًا في تطوير النرجسية، مشيرًا إلى أن المدح المفرط للذكاء والقدرات الفطرية الأخرى قد يوجد شخصية نرجسية.

وينبه إلى أن الحب المشروط يؤدي إلى ميول نرجسية، إذ ينشأ بعض الأطفال في بيئة يعطون فيها الحب فقط إذا حققوا نجاحًا دراسيًّا أو رياضيًّا، "وهذا يؤدي إلى شعور ضعيف بالهوية، والمشكلة تكمن في رغبة الأب أو الأم بأن تبدو العائلة جيدة للبيئة المحيطة".

وقد يؤدي أيضًا إهمال الوالدين الطفل إلى تطويره مفهومًا غير واقعي عن نفسه، مع شعور مضخم بالذات آليةَ مواجهةٍ لإهمال الأهل له و"احتقاره"؛ فيصبح نرجسيًّا.

وحسب علم الجينات أثبتت دراسات علمية أن النرجسية مرض يورث من الآباء للأبناء، ومسؤول عنه جين أو أكثر، فالجينات تحتاج إلى الظروف المناسبة حتى تظهر الصفات على أصحابها.

ويخبر التوم أن اضطراب الشخصية النرجسية يؤثر في الذكور أكثر من الإناث، وغالبًا ما يبدأ في المراهقين أو في مرحلة مبكرة من سن البلوغ، ويقل بعد سن الأربعين، وتختلف علامات وأعراض ومشاعر هذا الاضطراب، وكذلك شدة أعراضه.

علامات النرجسية

ويوضح أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب النرجسية يظهر عليهم شعور مبالغ بأحقيتهم في التميز من غيرهم، إلى جانب الانشغال بأوهام عن النجاح، والقوة، والتألق، والجمال، أو إيجاد شريك حياة مثالي مستقبلًا، واعتقاد تفوقهم وأنه لا يمكن أن تجمعهم علاقة إلا بشخص يتمتع بالقدر نفسه من التميز.

ويشير التوم إلى احتكار هذا النمط الحديث، وتقليلهم من شأن الأشخاص الذين ينظرون إليهم على أنهم أقل شأنًا، مع امتثال الآخرين المطلق لرغباتهم، والتصرف بأسلوب متعجرف أو متغطرس.

ويبين أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية النرجسية يجدون صعوبةً في التعامل مع ما يعدونه نقدًا، وينفد صبرهم أو ينتابهم الغضب عندما لا يلقون معاملة خاصة، ويواجهون مشاكل كبيرة في العلاقات الشخصية، ويشعرون بسهولة بالإهانة، والاستجابة لذلك بالغضب والازدراء ومحاولة التقليل من شأن الآخرين ليبدو كما لو أنهم يتمتعون بالتفوق، أيضًا يجدون صعوبة في ضبط مشاعرهم وسلوكياتهم، ويواجهون مشاكل كبيرة في التعامل مع الضغوط والتكيف مع التغيير، ويصابون بالاكتئاب والمزاجية، ويضمرون شعورًا بعدم الأمان والضعف والمذلة.

سبل العلاج

ومع التخلي عن الأسباب التي أوجدت شخصية الطفل النرجسية يفيد التوم وجود العديد من النماذج العلاجية النفسية، كالعلاج بالسلوك الإدراكي الذي يمكن المريض من الاعتراف بمرضه، "أيضًا على ولي الأمر إدراك أفعاله التربوية جيدًا، والحزم في التربية دون عنف يشيع المسافة بينه وبين طفله، وعليه الحد من إحساس طفله بأحقية التفرد، وأنه مثله مثل أي فردٍ في الأسرة".

ويؤكد كذلك أهمية تعديل السلوك الحواري للطفل، بجعله يفهم أن لا بد أن يستمع للآخرين كما يسمعونه عندما يتحدث، وأن الحوار السليم يجب أن يبنى على 50% تحدثًا و50% استماعًا، وتعليمه آلية اتزان العلاقات، وتعليمه كيف تبنى العلاقات الناجحة على التوازن، وأن المشاركة من أهم بنود نجاح العلاقة، وتطبيق ذلك عمليًّا في البيت.