منظمة التحرير الفلسطينية هي "منظمة سياسية" اعترف بها العالم من خلال الأمم المتحدة والجامعة العربية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، وقد جاء تأسيسها عام 1964 بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني في القدس، وكان الهدف المركزي من وراء التأسيس: تمثيل الشعب الفلسطيني، وحماية حقوق الفلسطينيين، والعمل على تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح، هذه المنظمة ضمت في عضويتها عددا من القوى والفصائل الفلسطينية، ويعتبر رئيس اللجنة التنفيذية فيها رئيس الشعب الفلسطيني، لكن على الرغم من انضمام عدد من القوى والأحزاب فيها فإن السيطرة التامة كانت لحركة فتح والتي اختطفت القرار وحرفت هدفها المركزي إلى مسارات خطرة أضرت بالقضية الوطنية وفرغت هذه المنظمة من المحتوى شكلا ومضمونا حتى أصبحت هيكلا بلا حياة.
وكانت أهم التحولات أو الهزات السياسية التي لحقت بالمنظمة حين تبنت قيادتها فكرة إنشاء دولة ديمقراطية مؤقتة على جزء من فلسطين وذلك خلال عام 1974 فيما سمي أو أطلق عليه "البرنامج المرحلي للمجلس الوطني"، حيث لقي ذلك رفضا فلسطينيا من جموع شعبنا وتحديدا بعض الفصائل والتي سارعت لتشكيل (جبهة الرفض)، ثم تلا ذلك خطوة كارثية أخرى تورطت بها قيادة المنظمة حيث تبنت رسميا "خيار الدولتين"، وأيضا قبلت بمفهوم السلام الشامل والعيش إلى جوار كيان الاحتلال وقد أوهمت نفسها بأن هذا الطريق هو الأمثل لعودة اللاجئين والحصول على الاستقلال على حدود 1967، وارتضت على نفسها تقسيم القدس مع الاحتلال مكتفية بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة.
وقد واصلت هذه المنظمة مسار التراجع والانحدار إلى أن تورطت في جريمة وطنية أخرى قلبت المشهد رأسا على عقب وكان ذلك في عام 1993 حين قام رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (ياسر عرفات) بالاعتراف رسميا بكيان الاحتلال، وذلك في رسالة رسمية أرسلها لرئيس وزراء العدو في حينه (إسحاق رابين)، على حين اعترف الاحتلال بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، فعام 1993 هو عام صعب في ذاكرة الشعب الفلسطيني حين تم توقيع اتفاقية أوسلو بين الاحتلال ومنظمة التحرير لأن هذا الاتفاق شكل تطورا خطيرا وغير مسبوق وعلامة فارقة في شكل الصراع وطبيعة العلاقة مع الاحتلال، وأصبح مسار التفاوض هو الطريق الوحيد لحل كل القضايا العالقة مع تجريم كل أشكال العنف، والعمل من خلال قيادة منظمة التحرير على ضمان وقف أي انتهاكات، وضبط الأوضاع داخل الأراضي التي تكون تحت حكمها.
هذا الاتفاق تبعه عشرات بل مئات الخطوات التي مررت من خلال المنظمة حتى تحولت هذه المنظمة إلى مظلة تجلب الخراب والدمار للشعب الفلسطيني بعد أن فقدت أو أفقدت من مضمونها وحرفت أهدافها التي أنشئت من أجلها لتصبح منظمة تحت الطلب يتم استدعاؤها على عجل لخداع الشعب الفلسطيني وتمرير بعض الخطوات السياسية الكبرى ثم تعود إلى سباتها، مستغلين بذلك فقدان فصائل المنظمة لأي قدرة على التأثير أو التغيير، وأيضا مستغلين غياب أكثر قوتين حضورا في الساحة الفلسطينية وهما حماس والجهاد الإسلامي، إذ إن كلا من الحركتين غير موجودة في عضوية المنظمة، الأمر الذي أعطى فرصا إضافية لهؤلاء كي يختطفوا قرارات وصلاحيات المنظمة ويجيروها لخدمة أجندات غير وطنية وصولا إلى ما وصلت إليه أحوال الشعب الفلسطيني والذي يعاني ظروفا كارثية.
واليوم يتكرر المشهد عبر محاولات السلطة الالتفاف مجددا على الدعوات الفلسطينية لإجراء انتخابات عامة (رئاسية وتشريعية ومجلس وطني) وتجاهل استحقاقات المصالحة الوطنية عبر مناورة جديدة لعقد المجلس المركزي بعيدا عن أي توافق واطني ودون تحديد برنامج معروف يمكن أن يخرج من خلاله نتائج تفيد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يكشف عن خطورة عقد هذا المجلس والذي ربما يؤسس لمزيد من التشرذم والشقاق في المشهد السياسي الفلسطيني ويعمق الخلاف ويوسع من رقعة الأزمات الحاصلة، وهذا ما يدفع القوى والفصائل الفلسطينية الوازنة ومنها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وقوى أخرى إلى رفض المشاركة، وكذلك تجريم عقده بهذه الصورة لما ينطوي عليه من تداعيات خطرة قد تلحق بالغ الضرر بالقضية الوطنية في وقت يحاول فيه رئيس السلطة تسويق انعقاد المجلس على أنه إجماع وطني حوله وتجديد لشرعيته.
وعليه: فإن الشعب الفلسطيني مطالب اليوم بالنزول للشوارع والانتفاض في كل ميدان ليعلم القاصي والداني أن الشعب الفلسطيني لا يسمح بالتغول على حقوقه أو تحويل هذه المنظمة لأداة يمكن أن تؤدي لتصفية ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني، وأنه يمكن أن يقاتل لإعادة مؤسساته المختطفة ويناضل لتصحيح مسارها بما يخدم حقوقنا الوطنية، وإلا فإن تمرير هذا الاجتماع والفشل في تعطيله سيعد انتكاسة جديدة تلحق بشعبنا وحقوقه المشروعة، لأن هذه المؤسسة مختطفة وبصريح العبارة ودون مواربة، فإن القرارات التي ستصدر هي مفصلة على المقاس في إطار ترتيب "حصص الورثة" وإعادة تدوير النفايات الفاسدة في السلطة ليتمكنوا من التسلط على رقاب الشعب الفلسطيني في المرحلة المقبلة.