رُب كلمة أو موقف بسيط شكلاً، يُشكل رافعة لمعنويات الشعب الفلسطيني الذي يواجه قوات احتلال مُجرمة منذ ما يزيد على 74 سنة، هذه الكلمة وهذا الموقف البسيط شكلاً، يحتوي مضموناً لا تتسع له الأسطر ولا الأوراق، مضموناً ينعكس بالإيجاب على المعنويات الفلسطينية، وقد يكون أبلغ من كثير من المواقف، وكلها رافعة لفلسطين وشعبها وقضيتها.
وعلى مدار عقود وسنوات مضت، عبّر الشارعين العربي والإسلامي عن دعمهما لفلسطين وقضيتها وشعبها في كل المحافل، ولا سيما المحافل الرياضية، سواء برفع علم فلسطين مثلما فعلت كثير من منتخبات الدول العربية وفي مقدمتها الجزائر، والتوشح بالكوفية الفلسطينية مثلما اعتادت أندية الكويت فعل ذلك في كل المناسبات الوطنية الفلسطينية، ورفض مواجهة أي خصم صهيوني في أي محفل أو تجمع أو بطولة دولية، وآخرها رفض الجزائري فتحي نورين مواجهة خصمه الإسرائيلي في منافسات الجودو لدورة الألعاب الأولمبية الأخيرة.
وحقيقة الأمر أن الجزائري نورين لم يكن الأخير، فقد جاء الطفل الكويتي محمد العوضي البالغ من العمر 14 عاماً، ليواصل مسيرة الأبطال العرب والمسلمين الذين يتسابقون في دعم فلسطين وقضيتها.
ولم يكن موقف الطفل الكويتي البطل محمد العوضي موقفاً عادياً عندما رفض مواجهة خصمه الصهيوني في نصف نهائي بطولة دبي الدولية للتنس الأرضي للناشئين، فهو موقف متقدم عن مواقف الكثير ممن كان مطلوب منهم المقاطعة، وليس المقاطعة فحسب، بل عدم الهرولة إلى التقارب والتطبيع.
كثيرة هي مواقف المقاطعة والرفض المُطلق للمواجهة الرياضية قام بها عشرات العرب والمسلمين في مختلف البطولات الدولية، ولكن هي المرة الأولى التي يدخل على خط الرجال الأبطال طفل بطل، في تأكيد بأن المواقف الوطنية لا تعترف بالسن، هي ثقافة مزروعة في القلوب والعقول.
إن قرار الرفض للمواجهة الرياضية العربية مع مُغتصبي الأرض الفلسطينية ومُنتهكي الحقوق السياسية والإنسانية لشعب فلسطين، قرار دولة وليس قرار طفل، ولكن الطفل كان رأس الحربة في تطبيق القرار، وسيكون بمنزلة قدوة لغيره من الأطفال العرب بشكل عام وأطفال الكويت بشكل خاص.
إن الطفل البطل العوضي لم يتخذ هذا القرار أو ينفذه لولا أنه مُقتنع ومُدرك لما قام به من أنه عمل وطني بامتياز، إلى جانب أنه عمل إنساني تجاه أطفال فلسطين الذين يُعانون تحت وطأة الاحتلال.
إن الطفل العوضي سيبقى مدى الحياة متذكراً هذا الموقف الرجولي والوطني مدى حياته، وسيذكره التاريخ على أنه الطفل البطل، والطفل الرجل، والطفل الذي كَبُر قبل أوانه وأصبح صاحب موقف سياسي وإن كان بغلاف رياضي.
إن الطفل العوضي سيُربي أولاده وكل من سيتدرب مع تربية وطنية قائمة على النضال من أجل القضية العربية والإسلامية الرئيسة وهي قضية فلسطين، وسيكون قدوة لأطفال كثيرين.
لقد كانت الكويت وما زالت وستستمر بإذن الله في طليعة الدول العربية التي تعبر عن دعمها الكامل والكبير والقوي للقضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، ولا ننسى قانون تجريم التطبيع الذي أقره مجلس الأمة، ولا ننسى مواقف رئيس مجلس الأمة الغانم في كثير من المحافل الدولية وهو يُعبر عن إن استقبال الكويت لطفلها البطل، كان استقبالاً يليق به ويليق بموقفها الوطني، فهي لم تتخذ هذا الموقف اعتباطاً أو مجاملة، فقد اتخذته بصفته مبدأً واضحًا وصريحًا وبصفته موقفًا سياسيًا ووطنيًا أوضح لدعم فلسطين وقضيتها وشعبها.
لقد استقبلت الكويت بطلها برفع جداريات وصور كبيرة على لوحات إعلانية منتشرة في شوار الكويت من مطارها إلى عاصمتها، وكأنها تُرسل رسالة لشعبها وأطفال شعبها تقول لهم فيها: إن فلسطين أمانة في أعناق الكويت والكويتيين. وهذا الموقف لن تنساه فلسطين والفلسطينيون للكويت صاحبة المبادئ والمواقف، في وقت تتسابق فيه شخصيات ودول عربية للتطبيع مع دولة الاحتلال.
عاشت الكويت وعاش أبطالها وعاش أطفالها وعاشت أمهاتها اللاتي أنجبن أبطالاً كمحمد العوضي، وعاش شباب الكويت وشيبه وشيوخه الذين ضربوا مثلاً في المسامحة وفي عدم التحامل على موقف فلسطين هنا أو هناك.