على أبواب دائرة العلاج في الخارج، دخل يزاحم مئات المراجعين المنهكين، لعله يستطيع أخذ ورقة الموافقة على سفره لاستكمال علاجه في مستشفى "سان جون" في القدس المحتلة، راجيًا الله ألا يُصدم برفض حكومة الحمد الله في رام الله تحمّل مصاريف علاجه.
حمل الحاج صالح (63 عامًا) جميع الأوراق الثبوتية اللازمة لتسهيل مهمة علاجه في مستشفى "سان جون"، آملًا أن يكون من المحظوظين القلائل الذي يمكن أن يسمح لهم بالسفر؛ نظرًا لحالته الصحية الصعبة التي تستدعي ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع الأسماء الواردة في التقرير هي أسماء مستعارة بناء على طلب أصحابها بسبب خوفهم من أن يؤثر حديثهم مع الإعلام في فرصة سفرهم لتلقي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية والإسرائيلية.
يتحدث الحاج صالح لصحيفة "فلسطين": "أعاني من ألمٍ في عيوني؛ وبعد متابعة الأطباء لي اكتشفوا أن الألم بسبب "المياه البيضاء"؛ التي تمنع الرؤية الكاملة لدي، وبسببها أرى من حولي بلونٍ أحمر، كما أنني أفقد النظر رويدًا رويدًا في عيني اليسرى".
وأضاف: "بسبب عجز الأطباء عن إيجاد حلٍ طبي لحالتي وخشيتي من فقدان النظر نهائيًا، سعيتُ لتلقي العلاج خارج القطاع لتطور الإمكانات هناك، وبالفعل تمكنت من السفر في نهاية شهر يناير الماضي، وأنتظر حصولي على الموافقة كي أعود لاستكمال العلاج في شهر يوليو الحالي".
وتابع الحاج صالح: "يحدوني الأمل بالسماح لي باستكمال علاجي خارجًا، مع العلم أنهم سابقًا رفضوا أي مرافق معي، فاضطررتُ إلى السفر وحدي، ومع ذلك أخشى أن يكون عدد التحويلات محدودًا وألا أتمكن من السفر؛ رغم أن موعدي اقترب ولكني لم أتلقَّ أي رد بالموافقة حتى الآن؛ لا خيار أمامي سوى أن أتأمل بإرسال الموافقة لي حتى لو في آخر ليلة".
ما ذنب المرضى؟
جلس "يوسف" واضعًا كفه على خده, ينتظر دوره للدخول إلى مكتب مدير دائرة العلاج بالخارج، من أجل تجديد طلب سفر ابنته المريضة بسرطان الغدد اللمفاوية والتي تبلغ 24 عامًا.
يقول لـ"فلسطين": "منذ ثلاثة أعوام اكتشفت مرض ابنتي بالسرطان، ولعدم وجود إمكانات في مستشفيات القطاع لعلاج مرضها، تم تحويلها لتلقي العلاج في مستشفى المطلع في القدس المحتلة، وسافرت حتى الآن ثماني مرات حيث خضعت لعلاج كيماوي وبيولوجي".
وأضاف: "آخر زيارة لها كانت في بداية شهر يونيو وبقيت نحو أسبوعين تتلقى العلاج داخل المستشفى، ومن المفترض أن تسافر هذا الشهر لاستكمال باقي علاجها فهي بحاجةٍ ماسة للسفر كل شهر للخضوع لجلسات العلاج".
وأضاف يوسف: "أخشى على حياة ابنتي في حال مُنعت من السفر لتلقي علاجها الذي لا يمكن أن يكون هناك بديل عنه في غزة لعدم وجود الإمكانات".
وطالب حكومة رام الله بالنظر بعين الرحمة للمرضى الذين يموتون؛ وهم ينتظرون الحصول على موافقة لعلاجهم في الخارج، حيث لا ذنب لهم بالمشاكل السياسية فهم مجرد ضحية.
إيقاف تحويلتها
أما الحاجة "يسرى" والتي كان من المفترض أن تسافر لاستكمال علاجها في مستشفيات الضفة يوم الأربعاء القادم، تلقّت اتصالًا من المستشفى بأن السلطة في رام الله أوقفت تحويلتها، وهذا ما شكل لها صدمة لأن الاحتلال لم يمنعها من السفر؛ حتى أن المستشفى هناك طالبت باستكمال علاجها.
ولم تستسلم الحاجة يسرى، فطرقت جميع الأبواب وراجعت دائرة العلاج بغزة التي لا تملك سوى أن تنصحها بالانتظار "لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا"، وما زالت تنتظر كما هو حال مئات المرضى الذي اكتووا بنار وقف السلطة في رام الله تحويلات العلاج بالخارج.
وقالت يسرى لـ"فلسطين": "لا أستطيع فهم ما يحدث، إلى ماذا تهدف السلطة من هذا المنع، ماذا تستفيد؟ هل خلافاتها على حركة حماس سبب كافٍ لقتلنا نحن المرضى!، هناك عشر حالات وفاة بسبب منعهم من السفر لتلقي علاجهم في الخارج.. و"الله يستر" من القادم".
وأضافت: "هناك أشخاص أعرفهم جيدًا فارقوا الحياة بعد صراع طويل مع مرض السرطان بعد أن رفضت السلطة تحويلاتهم بحجة أنهم منتمون لحركة حماس أو أقاربهم، ما ذنب المريض أن يلقى حتفه لمجرد مناكفات سياسية".
وتابعت يسرى: "المرض تفشى في جسدي ما بين الطحال والكبد والقولون، وتأخري في العلاج يزيد من مخاوفي بانتشاره في جميع أنحاء الجسد، سيما أنني أحتاج إلى عملية استئصال للورم في عدة أنحاء من جسدي ولكن في غزة رفضوا ذلك لصعوبة وضعي الصحي الذي يتطلب خضوعي لجرعات كيماوي قبل عملية الاستئصال".
يذكر أن وزارة الصحة التابعة لحكومة الحمد الله تواصل منع تحويلات علاج المرضى من قطاع غزة للضفة والقدس والداخل الفلسطيني المحتل، ضمن الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة.
واستشهد خمسة مرضى بينهم ثلاثة أطفال خلال الأيام الماضية، جراء منع السلطة تحويلهم للعلاج في الخارج، وبذلك يرتفع عدد شهداء التحويلات العلاجية إلى 14 شهيدًا منذ بداية العام الجاري، فيما يتهدد الموت آلاف الحالات الطبية في قطاع غزة من بينهم عشرات الأطفال الخدج والمصابين بأمراض خطيرة، وفق وزارة الصحة بغزة.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن معدل التحويلات العلاج في الخارج شهريًا تبلغ حوالي 2200 حالة، ولكن هذا المعدل بدأ في التناقص مع بداية العام الجاري 2017م.