"قدح في الرمزية" هو ما عكسته الصور التي علقت على متحف الشهيد ياسر عرفات في معرض حمل اسمه بداعي تخليد ذكراه، في حين أظهرت الدلالات الفنية للرسومات إمعانًا في تشويه أيقونة وطنية للكل الفلسطيني، إذ خلت الرسومات من معاني التمجيد والتوقير الذي يجب أن تعكسه المعارض الفنية بالنظر إلى رمزية الشخصية ومكانتها التاريخية والوطنية، كما يؤكد رسامو كاريكاتير تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين".
وإذ يتفق الفنانون بأن اختلاف الرأي هو أساس فن الكاريكاتير، يؤكد الفنان محمود عباس الذي استبعد وفنانون آخرون عن المشاركة في المعرض، أن الرسومات التي عرضت لا تناسب شخص "أبو عمار"، وكثير منها فيه مبالغة، "يمكن أن تكون متقبلة لو كانت ضد خصم سياسي عدو، إضافة إلى وجود خلل عندما أسند المعرض إلى غير أهله، فاللجنة المحكمة ليس لديها الخبرة الكافية في فرز المسيء منها من غير المسيء".
ويضيف عباس المقيم في السويد: "استبعادي من خلال اللجنة القائمة على انتقاء الرسومات والرسامين، تم تبليغي بوجود اسمي، ولكن لم يتم استدعائي لتقديم رسوماتي بسبب آرائي السياسية".
ويستدرك قائلا: "إذا كان تبرير المؤسسة بأن البعض رسم عرفات من منظور صيني، وآخر جنوب أفريقي، فلماذا استعبد العديد من رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين المخالفين للفكرة السياسية التي تتبناها السلطة، فهذا ما يتنافى مع أصل الرسم الكاريكاتيري بوصفه التعبير عن الرأي".
وينبه إلى أن المعرض كان يفترض به تذكير الفلسطينيين بالراحل عرفات وليس بشخصه فقط، "بإعادة إحياء قضية اغتياله، والتركيز على قضايا أخرى.. كيف كان سيتصرف مع تهجير أهالي حي الشيخ جراح، وما تتعرض له القدس من تهويد، واعتداءات في الضفة الغربية، وحصار قطاع غزة".
قدح وسخرية
وإذ يعد عباس المعرض الذي نظمته مؤسسة ياسر عرفات، "كوميديًا يستهتر بتاريخ أبو عمار"، يقول رسام الكاريكاتير علاء اللقطة: إن المبالغة في رسم الكاريكاتير تحمل وجهين، أحدهما حسن، وآخر قبيح وهذا يعتمد على الشخصية المراد رسمها.
ويدلل على حديثه باستحضار شخصيات العدو في رسوماته، "فمثلا عند رسم شارون، أو أولمرت، أو نتنياهو، استخدم المبالغة القبيحة التي تعكس شخصيتهم، وتخدم فكرة الكاريكاتير الذي أتناوله بصفتي رسامًا فلسطينيًّا في نقد أو فضح قادة الاحتلال وجرائمهم".
ويضيف اللقطة لـ"فلسطين"، أن المبالغة الحسنة "تصور الشخصية العظيمة كالشهداء والأسرى، وأبطال المقاومة، فمهما بالغت يجب الحفاظ على قدسية الشخصية ورمزيتها بحيث تكون محببة لعين القارئ، وهو رسم تمجيد وتوقير".
ويشدد على أن الرسومات التي نشرت من المعرض على منصات التواصل الاجتماعي، "هي إهانة للراحل عرفات، وغير مناسبة للعرض ولا تليق بشخصه، بل فيها إساءة بالغة تصل إلى حد السخرية والتهكم، وقدح في رمزيته، بل وإساءة لكل من يحبه".
غياب الخصوصية
وعن الدلالات التي تحملها الرسومات من ناحية وطنية بالنظر إلى رمزية الراحل عرفات، يجيب اللقطة: "معظم الأعمال التي عرضت وتناولت شخصية أبو عمار بهذه الطريقة الكاريكاتيرية الساخرة هي أعمال لفنانين أجانب، تختلف ثقافتهم عن ثقافتنا، ففي عرفهم كل شيء مباح، ولا حدود أدبية أو ضوابط أخلاقية تقف مانعا أمامهم".
ويردف: "إذ يمنحون لأنفسهم الحرية المطلقة لتناول أي موضوع بأي طريقة دون مراعاة لثقافة الغير أو خصوصياته أو رموزه ومقدساته، فلم يسلم من إساءتهم النبي محمد ولا المسيح عليهما السلام".
ويتابع اللقطة: "لذلك عندما أدعوهم لمعرض يقام على أرضي ويرتاده أبناء شعبي ويتناول قضية وطنية ورمزية وتاريخية لهذا الشعب، فمن الواجب عليّ بصفتي جهة منظمة أن أوجه هؤلاء الفنانين إلى التقيد بثقافتنا واحترام رموزنا والرسم في إطار المناسبة، وهي تخليد ذكرى الشهيد ياسر عرفات".
ويلفت إلى أن فن البورتريه (رسم الوجوه) يعني بالأساس رسمًا للشخصية وليس للشخص، بمعنى أن تعابير الوجه وتفاصيلها تعكس طبيعة الشخصية وصفاتها، ومن يتأمل البورتريه المعروض سيجد فيه قدحا في الشخصية وتصويرها بالشريرة أو الماكرة أو الساذجة أو القبيحة، على غرار ما تتناوله الأفلام الأمريكية في تصويرها للإنسان العربي.
ويؤكد اللقطة أنه كان يمكن تقديم أعمال فنية حول مناقب الشهيد أبي عمار، يتناول محطات حياته، ويؤرخ لنضال الشعب الفلسطيني في هذه الحقبة، وأن يسلط الضوء على الثورة الفلسطينية من خلاله، وأن يعرج على تعنت الاحتلال وغدره بدءا من محاصرته في المقاطعة إلى اغتياله مسموما بشكل يبرز فيه رسما معتدلا يليق بهذه الذكرى.