لم تقوَ حواسه على استيعاب المشاهد في أثناء تجوله بين أزقة المخيم، كان أصعبها لبيت مسقوف من ألواح الصفيح "الزينكو" الممتلئة بالثقوب، وبداخله أطفال من ذوي الإعاقة لا يستطيعون مساعدة أنفسهم وحمايتها من مياه الأمطار المتسربة عليهم من كل مكان، ووالدتهم ليس بوسعها إلا وضع بعض الأوعية لتلتقط المياه خشية ابتلال الفراش، تحاول أن تحيط أبناءها بين ذراعيها لتشعرهم بالدفء الذي هو منالهم.
اجتمع زهير ملاخة برفقة 10 شباب آخرين من أبناء مخيم المغازي لإطلاق مبادرة فردية تطوعية لإغاثة الأسر المتعففة من تسرب مياه الأمطار في ظل سلسلة المنخفضات الجوية التي تضرب المنطقة هذه الأيام.
يقول لصحيفة فلسطين: "في هذه المبادرة التي انطلقت من نابع المسؤولية الاجتماعية وبشكل تلقائي لتقديم العون لتلك البيوت، عملنا على التواصل مع عدة جهات لحصر المنازل وتقديم العون لها قدر المستطاع والمساهمة في درء الضرر الذي يتعرض له البيت من جراء المطر".
ويضيف أن المبادرة تعبر عن التكافل الاجتماعي، "وشعور المسلم بأخيه المسلم، وطلبًا لرضا الله وحسن الثواب، خاصة أن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
ويشير ملاخة إلى أن المبادرة جاءت في ظل انتشار البيوت البسيطة المسقوفة بالإسبست وألواح الصفيح، والتي تضرر بفعل تقادم عمرها الزمني أو أضرار طارئة تسمح للمياه بالوصول إلى البيت وإفساد أثاثه ومحتوياته عدا عن سماحها بوصول تيار هوائي شديد البرودة يضرب صدور الأطفال ليلًا ويملؤها بالأمراض.
ويوضح أن أفراد هذه الأسرة التي يقدر عددها بالمئات هي إما محدودة الدخل وبالكاد تكفي نفسها طعام يوم وليلة وإما تسترها جدران تضربها الرطوبة ليس لهم معيل.
يعيش الفقراء في غزة ظروفًا مأساوية بسبب البطالة وعدم التوفر على دخل يؤمّن لهم حياتَهم ومعيشتهم اليومية.
وزادت نسبة الفقر في غزة حسب آخر أرقام جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني من 38.8% في سنة 2011 ليصل إلى 53.0 % في سنة 2017. السببُ هو الحصار الذي أغلق المنافذ أمام الغزيين وحرمهم من العمل والنهوض بحياتهم الاقتصادية، كما أجبر الآلاف من العائلات على العيش تحت خطّ الفقر وفي بيوت منهكة تنتظر المساعدات من أجل إطعام أطفالها.
ويسعى أعضاء الفريق التطوعي لمواصلة العمل بالمبادرة ضمن مسارات مختلفة تبعًا لحاجة الأسر والظروف التي يفرضها واقع الحياة في قطاع غزة، "بهدف ترسيخ معاني التكافل الاجتماعي وتيسير وتفريج كربات الناس ولو بشيء مؤقت، ولما لذلك من أثر معنوي كبير في نفوس ذوي الحاجة".
إشاعة الرحمة في القلوب
ويوضح ملاخة أن إغاثة الملهوف تحيي في القلوب معاني الرحمة والخير ويشجع الجميع على العطاء وحسن العمل وترك الأثر الطيب في المجتمع، خاصة بعد مناشدات قرأها عبر موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، وشدة حاجة بعض البيوت بالمخيم الممتلئ بالبسطاء والفقراء.
ومن التحديات التي واجهتهم أن المخيم واحتياجات الناس تحتاج لجهد أكبر وحلول أوسع، "وهذه دعوة للخيرين بتوفير المزيد من المعونة وحلول الدائمة وليس مؤقته لبعض الأسر، كلُ بما يستطيع".
أما الشاب أمجد كلاب مسؤول فريق "المغازي الشبابي" فقد أثرت فيه مشاهد لأطفال في أثناء عودتهم من مدارسهم الأسبوع الماضي، لينطلق فريقه التطوعي لإطلاق مبادرة آنية توفر باص مجاني للمدارس الموجودة في المناطق الحدودية.
ويبين أن فريقه يعمل خلال فترة المنخفضات على تنفيذ عدة نشاطات أخرى كتوزيع النايلون، والحرامات الشتوية على الأسر الفقيرة، لافتًا إلى أن المنخفضات التي توالت على غزة "كشفت عورة الأسر المتعففة التي تسترها الجدران، أبانت شدة احتياجاهم للإغاثة في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها القطاع".
باص الدفا
في حين أطلق هلال أبو جحجوح، وهو متطوع في تكية أبناء النصيرات، مبادرة "باص الدفا" ضمن سلسلة مبادرات مجتمعية تطوعية من أجل شتاء دافئ للأسر المحتاجة في المناطق النائية والعاملين في الليل.
ويقول إنه استلهم الفكرة من مجموعة من الشباب المصري الذين يعملون على توزيع شوربة العدس الساخنة لأشخاص بلا مأوى ومن يسكنون بعض المناطق العشوائية.
ويبين أن عددًا لا بأس به من العائلات المستورة استفاد من هذه المبادرة إلى جانب العشرات من العاملين الذين يعودون إلى منازلهم ليلًا ولا يجدون مواصلات تقلهم.
ويضيف أن "باص الدفا ينفذ ضمن العديد من المبادرات الخيرية لتكية أبناء النصيرات التي تعمل بشكل رئيس على توزيع الوجبات الغذائية يومين في الأسبوع الواحد ويستفيد منها نحو 450 عائلة، إلى جانب توزيع الأدوية والأدوات الطبية على الفقراء".
ويأمل أن تستمر هذه المبادرة من أجل خدمة الفقراء والمحتاجين والوقوف يدا بيد مع أهل الخير والمحسنين لسد حاجات الناس.
وتعاني غزة من ارتفاع نسبة البطالة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والحصار المفروض منذ عام 2007 على القطاع. إذ أغلقت جميع منافذ فرص العمل في مختلف المجالات، خاصّةً المجالين التجاري والصناعي، ولا يملك المواطنون دخلًا يساهم في سير العجلة الاقتصادية. ذكر الإحصاء المركزي أيضًا بأن نسبة البطالة في غزة ارتفعت نحو 52% خاصةً في صفوف خريجي الجامعات الذين لم يجدوا فرص عمل لعولِ أسرهم.