بقعة جغرافية صغيرة لا يكاد يُسمع عنها إلا أخبار العدوان والحصار، يناضل فيها ما يقارب من مليوني إنسان، من أجل حريتهم التي انتزعها الاحتلال الإسرائيلي، هؤلاء هم سكان قطاع غزة، الذين يصرون على الحياة ولديهم ما يميزهم في هذا العالم. فلقد عانوا من حصار مدمر، وضائقة اقتصادية كبيرة، ومشاكل متعددة بالغذاء والدواء والماء والكهرباء والفقر والبطالة، وغير ذلك الكثير.
وفي الأيام القليلة الماضية طرأت مشكلة جديدة وكبيرة، وهي المرضى الذين يمنعون من السفر إلى الخارج للعلاج، وقد توفي عدد منهم وبينهم أطفال، علاوة على وجود أكثر من ثلاثة آلاف مريض بحاجة ماسة للعلاج في الخارج.
من جانب آخر بين تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن ٧٢٪ من سكان قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن القطاع قد يصبح منطقة غير صالحة للسكن قبل عام ٢٠٢٠م، هذا جزء يسير من التقرير الوصفي، التحذيري، المضمخ بالسواد، لا يبعد عن الحقيقة والواقع، بل هو يصف المعاناة كما هي، وكما تتحدث عنها الأرقام والإحصاءات.
فتجاوزت نسبة البطالة العامة في غزة حاجز ٤٠٪، ووصلت نسبة الأسر الفقيرة إلى حاجز ٥٠٪، وفي كل عام يتخرج في جامعات غزة ومعاهدها قرابة 12 ألف خريج لا يلتحق أحد منهم بسوق العمل، وتعاني الأجيال الشابة أزمة عدم القدرة على الزواج، وعدم القدرة على الحصول على شقة، وهناك نحو 42 ألف موظف حكومي لا يتلقون إلا جزءًا محدودًا من الراتب بنسبة ٤٠٪، وتعاني الأسواق من كساد تجاري، ومن غلاء الأسعار أيضًا، مع فقدان شبه تام لمواد الإعمار، إضافة إلى أزمة الكهرباء، ومشكلة المياه، التي وصفها تقرير أممي بأنها غير صالحة للاستخدام الآدمي.
هذا غيض من فيض من الحالة العامة للسكان، التي تدعم تقرير (أونكتاد) بأن غزة غير صالحة للسكن في ٢٠٢٠م.
يرجع (أونكتاد) هذه المعاناة المتزايدة سنويًّا إلى حصار غزة، وليس إلى الحروب الثلاث التي صدت فيها غزة العدوان الإسرائيلي الغاشم، الحصار فعل هذا كله بلا منازع، وما زال ينشر جرائمه في جسد السكان أيضًا، ولا أحد يدري متى يرفع المحاصرون حصارهم عن غزة.
نعم، إن تقرير (أونكتاد) كان تقريرًا وصفيًّا للمعاناة وحالة الأزمة، ولم يقدم حلولًا واضحة، ولم يحدد دورًا للأمم المتحدة في الحل، ولكنني أعتقد أن التقرير نفسه يتضمن العناصر الأساسية للحل، وأهم عنصر منها هو رفع الاحتلال حصاره عن غزة، وإعطاء فرصة للسكان للعمل، والإعمار، والزراعة والتصدير، وإعادة تشغيل المصانع، وغير ذلك مما يساعد على رفع نسبة التنمية وتخفيف حدة البطالة والفقر، وتوفير فرص أفضل أمام الدول المانحة لتحلية مياه البحر، وحل مشكلة الكهرباء.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: الحصار إلى أين؟!، إن هذه إحدى القضايا المستعجلة والهامة، ولابد من إيجاد حل سريع لها، كفى عشر سنوات، ارفعوا الحصار عن غزة رأفة بالمرضى، فإذا كان الكيان العبري هو الذي يعيق فلابد من العمل بكل قوة لوقف هذه الممارسة غير الإنسانية ولا الأخلاقية، وإن كانت هناك مشاكل تتعلق بالانقسام وعواقبه فلابد أن يرتفع الجميع إلى مستوى المسؤولية الوطنية والإنسانية، وإنهاء هذه الأزمة فورًا.
بعد رفع الحصار إن بمقدرة غزة أن تتصدى لمشاكل الحياة المختلفة التي خلفها الحصار الخانق والحروب الدموية، وبإمكان مليوني فلسطيني أن يحفروا في الصخر لإعادة الحياة إلى غزة العصية على الانكسار.