فلسطين أون لاين

يقول: الإبرة لم تُصنع للنساء وحسب

تقرير شاب يبدع في التطريز على "الكنفا" والدافع حفظ الهوية

...
صورة أرشيفية
غزة/ هدى الدلو:

بحب وشغف كان يتابع والدته، بل يلتصقُ بها بمجرد إحضارها العدة الخاصة بها من خيوطٍ ملونة، وقطع قماش، كان سليمان يراقب حركة يدها وأناملها، كيف تدخل الإبرة وتخرجها من بين فتحات قماش "الكنفا" فترسم زهرة برية، أو نقلةً هندسيةً دقيقة المقاسات والغرز.

صارت تجذبه تلك القطع حتى طلب من والدته مرة أن تمنحه فرصة ليجرب، فسمحت له بعد أن ضحكت بوجهه وقالت له: "ما إلك على هالشغلة يما، هادا شغل نسوان".

سليمان أبو طعيمة (26 عامًا) بحكم ولادته في بلدة الفخاري الواقعة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وما تحمله من طابع فلاحي؛ تأثر بالتراث الفلسطيني والتطريز الفلاحي.

ومع امتلاكه الخبرة في العمل بمجال البناء والسباكة منعته صعوبة الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة من الحصول على فرصة عمل، ما دفعه نحو اكتشاف شغفه بهواية التطريز، التي اتخذ منها مهنة جديدة.

ويعود سليمان بذاكرته إلى قبل عشرة أعوام، عندما أمسك الإبرة وخيط التطريز أول مرة، حينها تفاجأت والدته بطريقة إمساكه إياها بطريقة صحيحة، وإتقانه بعض غرز التطريز أيضًا.

يقول لصحيفة "فلسطين": "لم يكن حبي للتطريز من فراغ، كنت أرى أمي وهي تجلس تطرز تلك القماشة دون كلل أو ملل، بل تغمرها سعادة كبيرة متى أنجزت قطعة جديدة، هذا إلى جانب شغفي باللوحات الفنية التي يحملها التطريز، وزخارفه الملونة".

صار سليمان يقضي ساعات طويلة في التطريز بمساعدة والدته، التي كانت تشاركه في بعض الأساسيات والغرز بسعادة، يضيف: "كان الأمر ممتعًا لي، لم يقف في طريقي صعوبات أو عثرات، كنتُ أتعامل مع الخيوط الزاهية على أنها أصل الثوابت، وعنوان القضية الفلسطينية، مثلها مثل مفتاح العودة، وعلم فلسطين، والكوفية وغيرها".

ويوضح أنه كان جادًّا منذ البداية في تعلم التطريز، إذ لم يقتصر على ما يتقنه، بل شرع في تعلم أنواع أخرى منه، كالتطريز الفلاحي والمدني، ونقلات مختلفة لمدن فلسطينية، يكمل: "وما زاد شغفي أن منتجاتي كانت تلقى إعجاب من يراها، وطلبًا على اشترائها، لا سيما من النساء".

واضطر أبو طعيمة إلى العزوف عن التطريز مدة -حسب قوله- بسبب الانتقادات التي وجهت له بحجة أنه عمل نسائي، ولا يليق به رجلًا، "ولكن تلك الحالة لم تدم وقتًا طويلًا تحت تشجيع والدتي وزوجتي" يقول.

ويرى أن التطريز، والمحافظة على التراث لا يقتصران على فئة النساء وحسب، "بل كل من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة عليه ألا يقصر".

بات سليمان يطور في منتجاته، فانتقل من تطريز الأقمشة إلى تطريز المحاف، والصواني، وصناعة الإكسسوارات المطرزة، والمفارش، والأحذية، والترويج لذلك عبر صفحة خاصة في موقع التواصل الاجتماعي.

ويلفت أبو طعيمة إلى أنه تمكن من الالتحاق بدورات تطويرية ومتخصصة، وبات مدربًا في أحد المراكز لتعليم الفتيات التطريز التراثي، "وبهذا أثبتُّ لكل من وجه إلي انتقادًا أن العمل في مجال التراث وحفظ الهوية واجب على كل فلسطيني، إن استطاع" يضيف.

ويستذكر أنه في العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014م اضطر هو وعائلته للنزوح من منزلهم إلى مدارس وكالة الغوث (أونروا)، بسبب قوة القصف الإسرائيلي في منطقة سكنهم، وهناك أشغل وقته في استكمال عمله بالتطريز، فأقبلت عليه بعض الفتيات هناك لتعلم هذا الفن.

ومن العقبات التي واجهت أبو طعيمة عدم القدرة على الالتحاق بكلية لدراسة فن تصميم الأزياء، أو القدرة على المشاركة في بعض المعارض المحلية لعرض أعماله بحكم أنها نسوية، إضافة إلى ضعف الإقبال على اشتراء المنتجات بسبب غلاء ثمنها.

ويأمل الشاب العشريني أن يستمر محافظًا على التراث الفلسطيني، مع محاولات الاحتلال الإسرائيلي لطمس التراث وسرقته، وأن يجد من يتبنى موهبته ويمول منتجاته، وأن تكون له مشاركات في معارض خارجية، لإيصال القضية الفلسطينية.