اجتمع لصوص الوطن وقرروا تعيين أحدهم رئيسا للمجلس الوطني الذي يفترض به أن يجمع ممثلي الشعب، ولكنه برأيهم ملكية خاصة لا ينبغي لأحد أن ينافسهم عليه، وكانوا من قبل أقاموا صولجانًا قانونيًّا وهميًّا سمَّوه "المحكمة الدستورية" وهم من داس "القانون الأساسي الفلسطيني" الذي يمثل الدستور الفلسطيني تحت أقدامهم وقرروا تعطيل المجلس التشريعي بعد أن تنكروا لخيار الشعب، ونتائج صندوق الاقتراع، وحاربوا وحاصروا من اختاره الشعب ممثلًا له تحت قبة البرلمان.
تنكر لصوص الوطن لعموم الشعب حين قرروا تعيين أحدهم عضوا في أعلى الهرم للبيت الفلسطيني الذي يفترض أن يجمع الكل الفلسطيني "اللجنة التنفيذية لنظمة التحرير الفلسطينية"، واختاروا أقربهم مودة للاحتلال الصهيوني، وأكثرهم قدرة على التزلف لضباط الإدارة المدنية التي تحكم البلاد والعباد في الضفة المحتلة، وكأني بتلك الإدارة ستتحكم بقرار منظمة التحرير ولو بعد حين.
لصوص الوطن الذين نعرفهم جميعًا باتوا فاقدين لحياء الإنسان والحس الوطني، فلا يضيرهم القيام بزيارة وزير جيش الاحتلال واحتساء كوب من الشاي في بيته الذي سرقه عنوة من آبائهم الأولين، ولا يعتريهم خجل حين يُعلن المحتل على الملأ أنه منحهم حفنة من التسهيلات والامتيازات والأموال مقابل أن يواصلوا مسيرة الذلة والخنوع وتوفير الحماية للمستوطنات، وملاحقة الفلسطينيين الثائرين على مرارة الواقع وظلم الاحتلال.
لصوص الوطن أعربوا عن غضبهم الشديد، فقد أزعجهم كثيرًا مناشدة "سنديانة فلسطين" لرمز المقاومة الفلسطينية بضرورة الضغط على الاحتلال للإفراج عن الأسرى، تلك الأم الفلسطينية التي قدمت ولدها شهيدًا، وتخشى على نجلها الأسير من الموت نتيجة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال، وهُدم بيتها خمس مرات، وما زالت تنتظر صابرة الإفراج عن أبنائها الخمسة الذين يقضون أحكامًا بالمؤبد في سجون الاحتلال، وكأني بأولئك اللصوص يفرحون لمعاناة أسرانا، وينزعجون لمجرد تحريرهم من الأسر، فيطلقون كلابهم الضالة لتنهش في أجساد المحررين، وتهاجم مواكبهم، وتنزع راياتهم، وتعيد اعتقالهم من جديد.
لصوص الوطن نهبوا مؤسسات الوطن وخيراته، ولم تسلم مؤسسة من تدخلهم لصالح تعيين أحدهم في أركانها، ونشروا الفساد والإفساد بين العباد، حتى فاحت رائحتهم العفنة على شكل نتائج استطلاعات رأي باتت تعبر جميعها عن واقع مدمر يحياه الفلسطينيون في الضفة المحتلة.
لصوص الوطن لا يعتبرون أنفسهم جزءًا من هذا الصراع في الأرض المقدسة، فهم عند كل مواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال يقفون على الحياد، فتراهم يطلقون بيانات ومناشدات بضرورة الحفاظ على الهدوء والتهدئة، فهم يدركون أن بركان الغضب سيقتلعهم إذا ما بلغ ذروته، وإذا ما اضطروا للتعبير عن رأيهم في بعض الأحيان فإننا نجدهم دومًا ينحازون للاحتلال، فهم على سبيل المثال عطلوا تقرير غولستون الذي يفضحك جرائم الاحتلال، وأوقفوا ملاحقة المحتل في المحاكم الدولية، ثم قرروا مؤخرًا حل لجنة توثيق جرائم الاحتلال!!
لصوص الوطن وحين تذكر غزة وأهلها فإنك تستشعر غضبهم غير المفهوم حيالها، فهم شاركوا في حصارها، وحرموا أهلها من مقومات الحياة، وفي مقدمتها الدواء والكهرباء والرواتب التي تُغيث عوائلها، وحين يسئل أحد صغارهم عن ضرورة دعمها وتعزيز بنيتها التحتية التي دمرها الاحتلال حين انتفضت غزة لمؤازرة القدس وأهالي الشيخ جراح يرد بلسان صهيوني قائلًا: "من تسبب بالعدوان على غزة عليه ان يتحمل المسؤولية، وكان المطلوب منه ان يعرف عواقب هذه الحرب وبالتالي أن يجنب ابناء شعبنا في غزة ويلات الحرب"، وكأني بهذا الصغير قد أسرف بالشرب حتى غرق في سكرته قبيل عدوان الاحتلال على المعتكفين في الأقصى في رمضان الماضي، ولم يسمع حينها استغاثاتهم لغزة والمقاومة، ولم يستفق إلا بعد انتهاء العدوان ليحمّل غزة وأهلها المسؤولية عن شجاعتهم التي يفتقدها لصوص هذا الوطن.
لصوص الوطن لا يرون من الوطن سوى أسوار المقاطعة في قلب رام الله، فقد تناسوا القدس وأهلها، وصمّوا آذانهم عن مناشدات تعزيز صمودها، وأغمضوا أعينهم عن معاناة أهلنا في مخيمات اللجوء والشتات، وأداروا ظهروهم لاستغاثات أهلنا الذين يعانون الأمرّين في الداخل المحتل، وليس آخرها مشاهد التهجير القسري لأهلنا في النقب المحتل، فلا هم عبروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال، ولا هم أعربوا للمحتل عن رفضهم لسياساته العدوانية، خوفًا من إقدامه على حرمانهم من الامتيازات الاقتصادية، وبطاقات VIP التي توفر لهم ولزوجاتهم وأبنائهم إمكانية التسوق في شوارع تل أبيب وضواحي الوطن المحتل.
لصوص الوطن القابعين فوق صدورنا، والذين يشاركون المحتل في قتلنا، والذين ارتضوا لأنفسهم أن يعيشوا الذلة والمهانة تحت بساطير الاحتلال ليسوا منا، فهم لا ينتمون لهذه الأرض، ولا يعيشوا معاناة هذا الشعب، فهم باختصار حفنة من المتسلقين والمنتفعين وأعوان الاحتلال، وهم يدركون أنهم زائلون مندثرون بمجرد انكفاء الاحتلال، لذلك تراهم أشد الناس عداوة لهذا الشعب وللمقاومة.