الجزائر هي الدولة العربية الأولى من حيث المساحة بعد أن تراجعت مساحة السودان إثر انقسامه، ويبلغ عدد سكانها حوالي 44 مليوناً حسب آخر الإحصائيات. تعدّ الجزائر قوة إقليمية ومتوسطية، وهي عضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي، وعضو مؤسس في اتحاد المغرب العربي، وعضو في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة منذ استقلالها وأوبك والعديد من المؤسسات العالمية والإقليمية، وبحسب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، فإن الجزائر تحتل المرتبة ال 16 من حيث احتياط النفط في العالم وثاني أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، في حين أنها تحتل المرتبة التاسعة من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي.
يُعرف الشعب الجزائري بحبه الشديد للشعب الفلسطيني، وتعد القيادة الجزائرية تاريخياً من أشد القيادات العربية دعماً لقضايا الشعب الفلسطيني، ولذلك ليس غريباً أن تتردد جملة على ألسنة الساسة الجزائريين تدلل على عمق الانتماء لقضية فلسطين حينما يقولون: "إننا نختلف على كل شيء حتى على وجود الله ولكن لا نختلف على القضية الفلسطينية"، ويعد من العلامات الفارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني انعقاد المجلس الوطني في الجزائر في عام 1988م ذلك المجلس الذي أعلن فيه الاستقلال الفلسطيني، وأصبحت وثيقة إعلان الاستقلال تلك ذات رمزية وطنية ودستورية للشعب الفلسطيني، ولذلك جاء النص عليها في صدر ديباجة القانون الأساسي الفلسطيني "مثلما كانت ديمومة التصاق الشعب العربي الفلسطيني بأرض آبائه وأجداده التي نشأ عليها حقيقة عبرت عنها وثيقة إعلان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني".
ربما كان كل هذا الدعم من القيادة والشعب الجزائريين نابعا من عمق المأساة التي عاشها الشعب الجزائري التي تشبه إلى حد كبير المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني حالياً، وهي مأساة الاحتلال الاستيطاني الإحلالي، فكما تتعرض فلسطين حالياً لهجمة صهيونية استيطانية شرسة تعرضت الجزائر لهجمة استيطانية فرنسية شرسة، حيث اعتبر الاحتلال الفرنسي أن الجزائر هي الامتداد الطبيعي لفرنسا من جهة الجنوب التي لا يفصلها عن "الوطن الأم" إلا البحر، ولذلك قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية آنذاك بإنشاء المدن ذات الطراز الفرنسي ونقلت ملايين المواطنين الفرنسيين إليها وأنشأت لهم المزارع والمصانع لاستيطان الجزائر، واستخدمت ذات الوسائل التي يستخدمها الاحتلال الصهيوني حالياً من اقتلاع وقتل وتشريد في سبيل تنفيذ المخططات الاستيطانية، ولكن كما كل احتلال واستعمار في التاريخ زال الاستعمار الفرنسي وبقيت الجزائر وبقي الشعب الجزائري البطل فوق أرض آبائه وأجداده بعد أن قدم مليون شهيد، لذلك أجد أن الوجدان الجمعي للشعب الجزائري يعشق فلسطين كما يعشق الجزائر، لأن المعاناة المشتركة التي عاشها الشعبان ولدت هذه الروح التي التقت في العنفوان الثوري والعشق الأزلي للأرض.
الجزائر اليوم تبسط رداءها لفلسطين، وهي لم ترغب عن فلسطين يوماً، وتسعى إلى توحيد الصف بين الإخوة، والجزائر عندما تقدم على مثل هذه الخطوة فإنها تدرك تماماً أن عواصم عربية وعالمية سعت قبلها في المصالحة ولم تفلح، ولا أظن الجزائر حينما تقدم على مثل هذه الخطوة فإنها تقدم عليها من باب الاستعراض، أو استقطاب النفوذ، أو سحب البساط من تحت أرجل أي عاصمة أخرى، وأظنها تفعل ذلك فقط حباً وعشقاً لفلسطين، وهذا ما يدفعني للتفاؤل بأن نفس الجزائر الثوري الحر وتاريخها وعشقها لا بد أن يكون له تأثير في "الفرقاء الإخوة" الذين جَفَتْ قلوبهم ببعد الزمان الذي مر على انقسامهم، فعسى أن يذيب حنين الجزائر وحبها هذا الجفاء ليصلح ما أفسده الدهر، وإني لأرجو أن يكون في قلوب الفرقاء احترام وتقدير لمواقف سُطّرتْ للجزائر شعباً وقيادةً ليست بحاجة إلى دلائل أو إثبات، فتلين المواقف وتتلاقى الأفكار وتعطى الجزائر القيمة التي تستحق وهي قيمة عظيمة في نفوس الشعب الفلسطيني، وإني لأربأ بقيادة شعبنا أن ترد يد الجزائر صفراً، فليس هكذا يرد الجميل.
الشعب الفلسطيني مدعو اليوم لإسناد الجزائر في مسعاها الحميد والضغط من أجل إنجاح هذه الخطوة المهمة التي أقدمت عليها الجزائر، فقد طال أمد الانقسام ومل الشعب الفلسطيني هذه الحال، وقد لاحت الفرصة مرة أخرى، ولكن هذه المرة تختلف عن كل مرة فليست الجزائر بالدولة التي تخضع لتعليمات الاحتلال أو الإدارة الأمريكية، وليست الجزائر التي تخون عهدها مع فلسطين، وهي تسعى للمِّ الشمل مخلصة محبة وليس هناك من يتقن صنعته كإتقان العاشقين المحبين، والجزائر عاشقة لفلسطين وستبذل وسعها للوصول للغاية، وما على الأطراف الفلسطينية إلا أن تكون عند حسن ظن القيادة والشعب الجزائري فتعود الركائب من الجزائر حاملة البشرى التي طال انتظارها.