كل النجاحات الأمنية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية هي تسجيل نقاط وانتصارات ضمن معركة قائمة ومحتدمة، تغلّف بالصمت ضجيجها، لكنها لا تعني بالضرورة نزع القدرة عن جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، فالضربة التي يتلقاها قد لا تزيده قوة، لكنه حتمًا يتألم ويتعلّم ويردّ.
هذه الحالة تحفزنا على التيقظ الدائم أمام عدوّ يخيفه الهدوء معنا أكثر من الحرب، حتى بات قادرًا بعد 4 جولات من المعارك، على أن يسمع نوايانا دون توقعها، والتي يغلب فيها القدرة على تحقيقها وليس الظن، وهي حالة يمرّ بها الكيان عندما يكون متأهبًا للأسوأ.
وبينما نتكلم ونتداول مصطلح "قواعد الاشتباك"، فمعنى ذلك أن هناك قواعد تتبدل من وقت إلى آخر، وتتكيف للطرف الأكثر قدرة على الصمود والمناورة والتعافي، والأهم في حالتنا، هي للطرف الأسبق في إنتاج الجبهات وتجنيدها، إما بخلق ظروف الهجوم أو الدفاع.
الجدار الأرضي الذي احتفل جيش الاحتلال -في مراسم تدشين رسمية- بإنجازه في نهاية العام المنصرم، بطول 65 كم على طول حدود قطاع غزة، بتكلفة 3 مليار شيقل، وبعد 4 سنوات من العمل على مدار الساعة، هو واحد من التحديات الكبيرة التي تواجه المقاومة، وسيضطرها لإجراء مراجعات أو تراجعات في العديد من خطط وتكتيكات "الدرج"، أو مفاجئتنا عند أول اختبار، والحديث يدور عن أكثر التحصينات استراتيجية بنظر "إسرائيل"، الذي تعتقد أنه سيحدّ من إمكانية اجتياز السياج الأمني مع قطاع غزة عبر الأنفاق، وكذلك من فوقها عبر عمليات التسلل.
لم تكن كتائب القسام مبرمجة جينيًا للتأقلم مع الضعف أمام العدو في حالة هذا الجدار، فبثّت مطلع هذا الأسبوع، مشاهد تعرض لأوّل مرّة لشهداء العمليات البحرية الخاصة وتدريباتهم أو من سمّتهم "صقور الساحل"، فيما بدت بأنها رسالة للعدو بأن الجدار لن يصدّها عن اختراقه حين تقرر ذلك، فأعادت له من الذاكرة اقتحام قاعدة زيكيم البحرية، أول فرقة بحرية في الذراع المسلّح لحماس.
جاءت هذه المشاهد لتعزز تقديرات عسكرية إسرائيلية بأن حماس تعمل لتحقيق عنصر المفاجأة في أي مواجهة مقبلة، وأنها قد تنجح بذلك على الجبهة البحرية بشكل متقدم، وهي بذلك تعزز السؤال المرهق لدى قيادة العدو: ماذا ستفعل (إسرائيل) ضد المحاولات المستمرة لحماس لتعزيز قدراتها العسكرية، وخاصة البحرية؟
ليس الجدار الإجابة الكاملة التي تبحث عنها (إسرائيل)، بل هو النقص الذي يصوّر وضعية الدفاع مما تخشاه الدولة من الكتائب !
الرسالة التي لم تصرح بها "القسام" من مشاهد العمليات البحرية الخاصة، هي أن زيادة التحصينات تشجع على اختراقها أو الالتفاف حولها، وتنشأ عنها الحرب المتنقلة، التي قد يتركز الهجوم فيها على جبهة أخرى، أو في جزء من الجدار، أو عبر بدائل السماء، وهذا مصير العديد من الخطوط الدفاعية التي وثّقها التاريخ، وترك الصفحة الأخيرة منه، لتضع كتائب القسام توقيعها.