كشف السفير الفلسطيني في الأردن خيري عطا الله عن أمر خطير؛ يخص القضية الفلسطينية، حين استثنى مصر من الدول التي سيزورها السيد عباس في جولته القادمة، وكانت الأخبار قد ذكرت في وقت لاحق أن السيد عباس سيزور مصر، ويلتقي مع رئيسها عبد الفتاح السيسي.
وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها، فإن هدف محمود عباس من زيارته إلى مصر ـ فيما لو تحققت ـ هو التشويش على التفاهمات التي تمت بين مصر وحركة حماس من جهة، وبين حركة حماس ومحمد دحلان من جهة أخرى، هذا التقارب الذي لم يكن يخطر في بال محمود عباس في يوم من الأيام، والذي يعتبر مصدر قلق خطير على مستقبل محمود عباس السياسي، ولاسيما أن الرجل راهن على أزلية التناقضات الداخلية بين القوى السياسية الفلسطينية.
إن عدم استقبال مصر لمحمود عباس، في الوقت الذي تستقبل فيه مصر وفدا قياديا من حركة حماس، وتستعد لاستقبال لجنة فنية من قطاع غزة، ستوقع الاتفاقيات مع الشركات المصرية على تزويد غزة بما يحتاجه من معدات وأدوات تسهل لحركة حماس ضبط الحدود مع مصر، مع تواصل تدفق الوقود الصناعي إلى محطة التوليد، بل وتدفق الوقود إلى المحطات الخاصة، كل ذلك يشير إلى بداية مرحلة سياسية جديدة، تقوم على إعادة ترتيب الأوراق الفلسطينية، وإعادة صياغة الوضع الداخلي بما يضمن تشكيل قيادة جديدة، من أهم مكوناتها ذلك التقارب الحاصل بين حركة حماس ومحمد دحلان، قيادة تكون أقرب إلى طموحات الشعب الفلسطيني، ومعبرة عن تطلعاته السياسية، وتهتم بمصالحه بعيداً عن القيادة الراهنة التي تعمدت تمزيق الوطن بين غزة والضفة الغربية، وبين فتح وحماس، وبين فتح دحلان وفتح عباس، وبين موظف له راتب كامل، وآخر يخصم من راتبه، وبين مريض يسمح له بالسفر للعلاج، وآخر يموت بلا رعاية صحية، وبين مواطن تفيض عن حاجته الكهرباء وآخر يبيت على العتمة.
وهنا؛ قد يخطر في بال البعض أن العلاقة مع النائب محمد دحلان تحمل الكثير من المحاذير، ولها مخاطر سترتد على مستقبل المقاومة الفلسطينية، وستؤثر على الاستقرار الأمني التي يتفاخر به سكان قطاع غزة، وقد يكون لهذا الرأي وجاهة، فيما لو عاد الزمن إلى الوراء أكثر من عشر سنوات، ولم نتعظ من تجارب نزيف الدم الداخلي.
لقد أدرك الشعب الفلسطينية بالتجربة ان واقع الحال السياسي الفلسطيني في سنة 2017، ليختلف كثيراً عنه في سنة 2007، وإن مواقع التنظيمات الفلسطينية قد تغيرت، وإن الأحوال السياسية الفلسطينية قد تطورت بالشكل الذي يسمح بالتفاهم والتنسيق والتلاقي الداخلي بعيداً عن تكرار التجربة التي ما زالت مرارتها عالقة في أفواه كثيرة.
وقد يخطر في بال البعض أن السياسة المصرية الجديدة تجاه قطاع غزة لا تخلو من مخاطر، بما في ذلك خطر فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وإقامة كيان فلسطيني مستقل في غزة بعيداً عن الضفة الغربية التي لن يهددها الحكم الذاتي، وفي تقديري أن هذا الخطر يقف من خلفه محمود عباس الذي مارس الفصل العملي بين سكان قطاع غزة وسكان الضفة الغربية، وباعد بين الإقليمين سياسياً ونفسياً واجتماعياً، وباعد قبل كل ذلك اقتصادياً، إن سياسة محمود عباس الإقصائية، وتفرده بالقرار السياسي لهي المحرك لذي يدفع سكان قطاع غزة إلى هذه الزاوية المظلمة من المساعي لفك الحصار.
ومع ذلك، فإن فك حصار غزة لا يعني حصار الضفة الغربية، وإن وصول الوقود المصري إلى غزة لا يعني حرمان الضفة الغربية من الوقود، وإن إضاءة شوارع غزة لا تعني العتمة لشوارع الضفة الغربية، التي ستظل أرضها مادة الصراع الوجودي بين الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، وبين محتل يسعى لاستغلال الفرص بما يخدم مخططاته، وهذا هو واجب الأمة كلها، بما في ذلك أهل الضفة الغربية الذين يرفضون سياسة حصار غزة، ويعرفون طريقهم لانتزاع القرار السياسي الفلسطيني، وتصويب المسار، كمقدمة لانتزاع الحقوق التاريخية في أرض فلسطين.