السؤال الذي يدور في أروقة المختصين والباحثين بين الفترة والأخرى هو: ما هي آفاق تغيير النظام السياسي الفلسطيني، بعد يوم من وفاة محمود عباس رئيس السلطة الذي اختير في يناير 2005؟
ففي مثل هذه الأيام اختير عباس لرئاسة السلطة خلفًا للرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، على أمل أن يكون هناك نظام سياسي فلسطيني، يليق بنضال الشعب الفلسطيني، لكن هذا لم يحدث، واليوم بعد مرور ما يقارب 16 عامًا على توليه السلطة، التي أصبحت عبئًا على الشعب الفلسطيني، ونظامًا بلا معايير، تستخدم فيه قوة الإجبار، والقتل والتهديد والابتزاز لبقائه في السلطة أقصى ما يمكن.
وعلى الرغم من عمره الذي تجاوز 86 عامًا، وهو يطرح التساؤل مجددا ما هو شكل النظام السياسي الذي سيخلف محمود عباس؟ خاصة بعد أن ترك نظامًا سياسيًّا مهترئًا يحكمه شخص واحد يسيطر على السلطات الثلاث، ولم يتقدم في مشروعه السياسي قيد أنملة، بل إن الاحتلال الاسرائيلي استفاد كثيرا من وجود عباس في السلطة، وقد أرسى قواعد جديدة لم تكن موجودة في تاريخ النضال الفلسطيني، وما بين سنوات توليه الرئاسة حتى اليوم هناك انتكاسة، وارتكاسة، على تاريخ شعبنا الفلسطيني، لولا بقعة الضوء في بناء مقاومة فلسطينية متينة وقوية.
أضاع عباس تاريخ حركة فتح، التي قاتل قادتها الأوائل من أجل تحرير فلسطين، بل خونوا وحاربوا بل اغتالوا كل من يفرط في القضية الفلسطينية، وتحقق اليوم ما قاله القيادي الفتحاوي المرحوم أبو إياد حينما قال: أخشى أن تصبح الخيانة وجهة نظر.
وهو ما حدث في الواقع اليومي، حيث يعتبر عباس أن اللقاءات والتنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال مقدس، بل مشروع مهم من وجهة نظره. ويقدم لقاءاته مع قادة الاحتلال على علاقاته الوطنية، ويضرب عرض الحائط بكل المواقف الوطنية التي وصلت إلى حد الإجماع على رفض لقاءاته ومشروعه السياسي الذي مثل انتكاسة خطيرة للمشروع الوطني الفلسطيني. بل أكثر من ذلك أنه سلَّم الضفة الغربية للاحتلال سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا، ويسعى لتحويل الوضع الاجتماعي بالضفة الغربية إلى غابة، ولا يكتفي بأنه لا يفرض النظام والسيطرة بل يترك ذلك متفرجا، حيث تقوم الأجهزة الأمنية وعناصرها باستغلال مواقعهم ومناصبهم في الفساد والمحسوبية.
وفي السياق ذاته تحولت الضفة الغربية إلى غابة يتحرك بها المستوطنون، يقتلون المواطنين، ويحرقون المزروعات ويقتحمون القرى. بينما الأجهزة الأمنية التي يتجاوز عدد أفرادها 65000 رجل أمن لا تفعل شيئًا. وعندما تحركت ظهرت في موضع السخرية وهي تقوم بتركيب حماية شبابيك لمنازل المواطنين، ولكنه في الحقيقة تعبير عن واقع السلطة، وحالة الانكسار والإذلال التي تعيشها، وتريد أن تحولها من مهانة ومذلة إلى موضع اعتزاز وافتخار في قلب للمعايير الوطنية والقيم الأخلاقية.
حان الوقت فلسطينيًّا للتفكير مجددًا في إمكانية وضع سيناريو واضح للتعامل بعد عباس، والذي لا يعرف قد يكون عمره بأيام أو أشهر أو سنوات، لكن في كل الأحوال لم يعد قادرًا على ترؤس السلطة، التي يخشى أن مع مرور الوقت يصعب إيجاد طريقة تغيير الواقع المرير الذي بناه محمود عباس على مدار سنوات حكمه، والحاجة الوطنية في الذهاب إلى الانتخابات العامة الشاملة، تضمن فيها مشاركة أوسع للأحزاب والفصائل والقوى الوطنية والمجتمعية لإعادة بناء ما دمره عباس على مدار سنوات حكمه.