إذا كان الطريق مغلقًا، فماذا عليك أن تفعل؟ الجواب الاستدارة بالسيارة وسلوك طريق آخر يوصلك إلى مرادك وإن كانت المسافة أطول. ما تطبقه في علم المرور وطرق السير، عليك أن تطبقه في علم السياسة عند الحاجة إلى تطبيقه.
ما من شك أن طريق المفاوضات السياسية مع العدو من أجل الحرية وتقرير المصير وإقامة الدولة هو طريق مغلق منذ سنوات طويلة. الرئيس محمود عباس يعلم ذلك على يقين، ولكن لا يفعل الاستدارة المطلوبة. الرئيس ينطح الطريق المغلق بغرض فتحه، ولكن الطريق مغلق لأن الطرف الآخر يصر على إغلاقه بقوة لا قبل لك بها. مثل من يصر على ذلك كمثل وعل ينطح صخرة فلم يهنها وأوهى قرنه الوعل.
حين خطب محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها الأخير عبّر عن خيبة أمل عميقة لأن الطريق مغلق منذ سنوات، وهدد باتخاذ إجراءات غير مسبوقة، معطيا العالم مهلة عام لكي يتصرف قبل اتخاذ إجراءات خطيرة وغير مسبوقة. أي الرئيس هدد بحسب تخميني بالاستدارة والذهاب بطريق آخر مفتوح وإن كان طويلًا.
الطريق المفتوح الذي يعنيه عباس غير مفهوم لي، لأنه ليس واضح المعالم، والرئيس لم يقدم إشارات دالة عليه، ولكن بحسب معرفتي بسياسة وقناعات الرجل فهو لن يذهب لطريق حماس، أو لطريق المقاومة، وقد يذهب لطريق المقاومة الشعبية، ولكن في الشكل وليس في الممارسة الحقيقية، خشية أن يفتح بالمقاومة الشعبية بابًا لتسلل منهج المقاومة الساخنة، ومن ثمة لا يستطيع أن يغلقه ثانيًا. لذا فإن حدود استدارته إن تمت فهي ضيقة ومحدودة، ولن تفضي إلى طريق مفتوح يوصل لإزالة الاحتلال وتقرير المصير.
زيارة عباس لغانتس في بيته، وعودته ببضعة ملايين من الدولارات تؤشر على أن الاستدارة المحتملة محدودة. وإن زيارات عباس لبعض الدول التي لم تتقبل كلامه في الجمعية العامة مؤشرٌ آخر. واجتماع المجلس المركزي ربما يكون مؤشرًا ثالثًا.
ما أود قوله في هذه القضية الوطنية هو: إما استدارة كافية موصلة للغاية، وإما لا استدارة، لأن نصف الاستدارة معاناة بلا مبرر، لأن نصف الاستدارة لا تشكل في السياسة ضغطا على العدو ليغير سلوكه، لا سيما وأن قطار التطبيع يمضي قُدما لتأخر هذه الاستدارة الوطنية الواجبة منذ سنين.