الذي شكل ضغطًا معنويًّا وإنسانيًّا وسياسيًّا على العدو الإسرائيلي هو المعتقل هشام أبو هواش نفسه، والذي قرر أن يخوض معركة الجوع، واستعد للموت دفاعًا عن قناعاته، هذا الإصرار الشخصي على عدم الهزيمة، هو حجر الرحى في النصر الذي حققه المعتقل، فالنصر إرادة، ومن أراد أن ينتصر سينتصر، ومن سكنت روحه الهزيمة فلن يذوق طعم النصر، حتى لو ركب على ظهر التطبيل والتزمير الإعلامي.
ثانيًا: جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وقد خرجت في مظاهرات ومسيرات انتصارًا للمعتقل المضرب عن الطعام، هذا الحراك الجماهيري الذي راح يتصاعد، وينذر باشتعال الانتفاضة في الضفة الغربية، شكل قلقًا للقيادة الإسرائيلية، فالغضب الجماهيري في الضفة الغربية قادر على قلب طاولة الأمن الإسرائيلي. وهذا ما كان يعرفه المعتقل الفلسطيني الذي خاض الإضراب واثقًا بانتصار الشعب الفلسطيني لقضيته.
ثالثًا: التنظيمات الفلسطينية المقاومة في قطاع غزة، وقد هدد قادتها بلسان عربي فصيح، وبلغة التحدي، وأعلنت في أكثر من لقاء وتصريح أن هشام أبو هواش لا يخوض معركته وحده، فالتنظيمات الفلسطينية جزء من المعركة، وإذا تدهورت حالة هشام الصحية، وقضى نحبه، فقصف تل أبيب هو المقابل، لقد وضعت التنظيمات المقاومة قصف تل أبيب معادلًا موضوعيًّا لسلامة المعتقل، وفي ذلك تأكيد من المقاومة الفلسطينية بأنها ليست ابنة غزة، وإنما هي الأم الحنون لكل أبناء الشعب الفلسطيني، وكما وقفت مع القدس والشيخ جراح، وقدمت مئات الشهداء، تعلن اليوم وقوفها مع المعتقل الذي يخوض معركة الحرية، والمقاومة مستعدة لتقديم مئات الشهداء نصرة لمعتقل فلسطيني واحد، وهذا ما أغاظ الكثير من القادة الإسرائيليين، الذين انتقدوا قرار الحكومة الإسرائيلية، واعتبروه ضعفًا وخوفًا من التصعيد مع غزة!
رابعًا: مصر العربية التي تدخلت بقوة، وتوصلت إلى الاتفاق حول عدم تجديد اعتقال هشام، وقد جاء التدخل المصري من منطلق الحفاظ على الهدوء مع غزة، وعدم التصعيد، وجاء من منطلق ضبط الأمن في الضفة الغربية، وعدم السماح بانفجار الأوضاع بشكل يربك استقرار قيادة منظمة التحرير.
خامسًا: التعاطف العربي والعالمي مع المعتقل الذي ضرب الرقم القياسي في الإضراب عن الطعام، وهو يفضح وحشية وظلم وقسوة الأحكام الإسرائيلية، والاعتقال الإداري، لينبش المعتقل بجسده فكرة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة، وضرورة التخلص منه، وهذا ما شكل ضغطًا على الحكومة الإسرائيلية التي أدركت خطورة استشهاد هشام، وأثر ذلك في سمعة وصورة وأكذوبة (إسرائيل) الديمقراطية.
ضمن هذا المشهد البطولي، فمن الخطيئة الإعلامية محاولة البعض أن يختزل نصر فلسطين في شخص محمود عباس، لأن في ذلك إهانة للجهد الفلسطيني المشترك الذي صنع الانتصار، ومن العيب أن يخرج البعض ليقول: شكرًا للرئيس عباس الذي تدخل وانتزع قرار عدم تجديد الاعتقال لهشام أبو هواش، ففي هذا الشكر تقزيم لمعاناة المعتقل هشام، وفيه تحقير لحراك الجماهير في الضفة الغربية، وتسخيف للمظاهرات التي انطلقت وسط رام الله تهتف: حط السيف قبال السيف، نحن رجال محمد ضيف، وفي ذلك تسخيف لتدخل مصر، ولدورها في الضغط على (إسرائيل) تفاديًا للتصعيد في غزة.
كنا سنعترف بفضل محمود عباس فيما لو تم إطلاق سراح المعتقل هشام أبو هواش في أثناء لقائه مع غانتس في تل أبيب قبل عشرة أيام، ولكن ذلك لم يتحقق، وإذا كان لمحمود عباس هذه القدرة على التدخل والضغط على الإسرائيليين، فلماذا لا يتدخل عباس، ويطلق سراح المئات من المعتقلين الذين يقضون فترة اعتقال إداري دون توجيه تهمة؟ ولماذا لا يتدخل عباس، ويفرج عن عدة آلاف من الأسرى في السجون الإسرائيلية؟ ولماذا لا يتدخل عباس ويفرج عن جثامين الأرقام، الذين تحتجزهم (إسرائيل)؟ ولماذا يتدخل للإفراج عن الأسير المريض ناصر أبو حميد؟
ملحوظة: في معركة الأمعاء الخاوية، فرض الشعب الفلسطيني إرادته على عدو لا يفهم إلا لغة القوة، لذلك فمن الخطيئة أن ينسب البعض نضالات الشعوب وإنجازاتها وتضحياتها إلى مسؤول أو قائد مهما كان، ومهما رقص في كفِّه الصولجان!