جلست مروة الأطرش على ركام منزلها على جبل السنداس جنوبي الخليل، والدموع تنهمر على وجنتيها، لم تكف عن الصراخ على جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين انهالوا عليها بالضرب كلما تقدمت لتمنعهم من الهدم: "حرام عليكو، داري تعبي وشقاي هديتوها"، طفلها وقف بجوارها يبكي بحرقة: "يما راحت دارنا، ليش اليهود هيك عملوا فيها؟".
كفكفت مروة دموع الصغير لتُهدِّئ من روعه: "خلص يما.. خلص راح نبني أحسن منها، وعلى عينهم راح نسكنها"، وقلبها يحترق على منزل أحلامها الذي هدم أمام عينيها.
صباح 28 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رن هاتف مروة، وإذا بجيرانها يخبرونها بأن "بواقر" الاحتلال شرعت في هدم بيتها الذي هو قيد الإنشاء، صدمت مروة وهرعت إلى المكان تتمنى أن يكون ما سمعته ليس بحقيقة، لأنها لم تتسلم ورقة إخطار بالهدم.
أحلام مروة (25 عامًا) بدأت تتهاوى أمام ناظريها، بيتها الذي بنته حجرًا على حجر، وقرشًا على قرش، وباتت ليالي كثيرة تحرم نفسها وأسرتها، تدخر المال عامين كاملين لتبني بيتها، واستدان زوجها مبلغًا كبيرًا ليتمكن من لم شمل أسرته تحت سقف واحد.
رسمت مروة وزوجها وطفلاها، وطفلا زوجها، أحلامًا كبيرة على هذا البيت الذي أصبح كومة حجارة، تستعيد ذكرياتها قبل يومين من الهدم وهي تخاطب زوجها وهي تجلس على سطح المنزل: "ساق الله واحنا ساكنين في هالدار"، ولطفلي زوجها رسمت أحلام بيت عمرهما "كل واحد اله طابق يما".
تعيش مروة حياة شقاء وتعب، إذ يضطر زوجها لترك البيت لأيام داخل الأراضي المحتلة عام 48، حيث يعمل على بسطة لبيع الإكسسوارات، على حين تكافح هي من أجل تربية أبنائها في بيت مستأجر، بانتظار الانتهاء من بناء منزل شيدته حلمًا قبل أن تراه يتداعى على مرأى أطفالها الذين ذرفوا الدموع حسرة.
تحدثت مروة لـ"فلسطين" هاتفيًّا، وقد خنقت العبرات صوتها: "لدى زوجي طفلان بعمر (10) و(13) عاما، لم يكملا تعليمهما المدرسي ليساعداه في مصروف البيت، أحدهم يعمل معه في الداخل المحتل، والآخر معي في الخليل يبيع زجاجات المياه، والمحارم الورقية، وبالكاد نوفر قوت يومنا".
تضيف: "تعبنا من سكن الإيجار منذ سبع سنوات، في كثير من الأحيان لم نكن نستطيع دفع المبلغ المتراكم علينا، وأصحاب البيوت يطردوننا منها، لذا كنا نتنقل بين البيوت على الدوام".
صبيحة اليوم التالي للهدم استيقظ ابن زوجها "براء" باكيًا: "يما مضلش النا دار، لوقتيش الناس بدها تحملنا جميلة إنا ساكنين في دار إيجار"، نزل هذا الحديث ثقيلا على قلبها المنهك تواسيه "راح نبني أحسن منها مش راح نستسلم".
"احنا مش بحاجتك"
في مقطع فيديو انتشر على منصات التواصل الاجتماعي، لمروة وهي تركض فوق ركام بيتها حاملة علم فلسطين حتى علقته على سيخ حديد في ركام بيتها، وعند سؤالها عن الرسالة التي أرادت توصيلها من رفع العلم، تجيب: "لو هدموا البيت مرة، واثنتين، وثلاثة، سأعيد بناءه، فهذا هو بيتنا وهم محتلون".
ولم يتوقف جنود الاحتلال عند هدم بيت مروة، بل انهالوا بالضرب بأعقاب بنادقهم عليه وعلى والدتها، إذ أصيبتا بكدمات في أنحاء جسدهما، ونقلتا في إثر ذلك للمستشفى".
تتساءل مروة باستنكار: "صرنا نحتاج لترخيص حتى نبني في أرضنا! وين الرئيس يجي يشوف حالتنا؟!"، ولأنها تعرف أين هو، أجابت: "روح احنا مش بحاجتك.. شوف حالك انت وين واحنا وين. احنا بنكافح على أرضنا".
سؤال لن يشغل رئيس السلطة نفسه بالإجابة عنه، وهو الذي يدير ظهره للشعب الفلسطيني في جميع مناطق وجوده، لمصلحة استدامة التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وتشير إلى أن الأرض التي بني عليها المنزل منحها والد زوجها له بسبب ظروفه المادية الصعبة للغاية التي تعانيها العائلة، وأن العائلة لم تقدم على البناء قبل تقديم الأوراق اللازمة للحصول على ترخيص من سلطات الاحتلال والتي لم تعترض على البناء ودفعت الأموال اللازمة من أجل ذلك.
هدم حلمها، وتراكمت ديون الإيجار، وثمن بناء بيتها لن تقوى على سداده، وعادت صفر اليدين، تناجي ربها وأهل الخير بمساعدتها والوقوف إلى جانبها، حتى يكون لها بيت يؤوي أطفالها من برد الشتاء.
وبينما يضرب فلسطين منخفض جوي شديد البرودة، تبيت مروة وأطفالها في الليالي الماطرة إلى جانب كانون في خيمة نصبتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أنقاض منزل لم يفرحوا بدفء جدرانه، وستترك بيت الإيجار الذي تسكن فيه حاليًّا، لأنها لم تعد تقوى على دفع استحقاقه الشهري.
كانت تحلم مروة وأطفالها باليوم الذي يضمهم بيت ملك لهم، لن يسمعوا فيه دقات عنيفة تطالبهم بالرحيل لأنهم لم يدفعوا إيجار البيت، ولا تهديدًا من أصحاب الإيجار بقطع المياه والكهرباء عنهم إذا لم يسددوا ثمنها.