لا يكاد يمر يوم على الضفة الغربية إلا وتندلع مشاجرات بين المواطنين سرعان ما تتطور لاشتباكات مسلحة، وهو ما يعكس حالة الفوضى والفلتان الأمني التي تعيشها المدن الفلسطينية، في غياب واضح لدور الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في إصلاح ذلك الواقع المؤلم.
ومؤخراً تجدد الشجار بين عائلتي العويوي والجعبري في الخليل جنوب الضفة، عقب إحراق حافلة وتخريب ممتلكات مواطنين وتبادل إطلاق النار بينهما. كما وقع أمس، شجار بين أفراد من عائلتين داخل حرم جامعة الخليل، وهو ما دفع إدارتها إلى تعليق الدوام بشكل كامل.
وعثرت الشرطة الأسبوع الماضي، على جثة محترقة في بلدة سلواد شمال شرق مدينة رام الله، في حين أعلنت الشرطة، مساء الجمعة الماضية، مقتل مواطن في شجار نشب ببلدة الجديدة جنوب محافظة جنين.
وسبق ذلك أن علّقت جامعة القدس أبو ديس الدوام في الجامعة حتى إشعار آخر، على خلفية حالة الفلتان الأمني التي يشهدها محيط الجامعة، التي تسببت بحالة من الذعر والخوف والقلق في صفوف الطلبة.
انتشار السلاح
ويؤكد الناشط السياسي عيسى عمرو، أن حالة الفلتان الأمني في مدن الضفة آخذة بالتزايد في الآونة الأخيرة، إذ تميزها كثرة انتشار السلاح بين المواطنين، خاصة أبناء حركة فتح.
وعزا عمرو خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، تفشي الفلتان إلى عدم وجود سلطة منتخبة من الشعب الفلسطيني، ومجلس تشريعي وقضاء يحكم بالعدل بين المواطنين، عدا عن تفرد بعض القيادات بالحكم.
وأوضح أن هذه الأسباب فتحت المجال أمام أبناء تنظيم "فتح" والقيادات، إلى حمل السلاح والعربدة على المواطنين، مؤكداً عدم وجود قضاء فاعل يحاسب كل من ينتهك القانون، واتباع نهج الانتقائية في تنفيذ القانون.
وبيّن أن حل المشكلات العائلية والسلاح يعتمد على تدخل العشائر وليس القضاء وإنفاذ القانون، متوقعاً أن تتجه الضفة نحو سيناريو أسوأ خلال الفترة القادمة يتوسع فيه الفلتان بشكل أعنف نتيجة سياسات السلطة.
وشدد على أن السلطة وأجهزتها الأمنية تعاني حالة ترهل كبيرة على الصعيدين المدني والعسكري، عدا عن تفشي الفساد بين أروقتها ومنظمة التحرير، محملاً قيادتها والمنظمة المسؤولية الكاملة عما يجري في الضفة.
وطالب عمرو، بضرورة إجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة، يختار الشعب الفلسطيني من خلالها من يمثله ويقوده إلى بر الأمان، بدلاً من السلطة الراهنة التي لا تحرك ساكناً تجاه ما يجري في المجتمع الفلسطيني.
وهذا ما ذهب إليه الباحث السياسي والاجتماعي عصمت منصور، حيث رأى أن ضعف منظومة السلطة في مختلف مناطق الضفة المحتلة، رفع من وتيرة الفلتان الأمني.
وبيّن منصور خلال حديثه مع "فلسطين"، أن انتشار السلاح بين المواطنين وضعف أداء السلطة وأجهزتها الأمنية خلقا مناخاً مناسباً لتفشي الفوضى.
ومن بين أسباب الفلتان وفق منصور، ضعف القضاء الفلسطيني وعدم ثقة المواطنين في السلطة، لكونها تنتهج التفرد وتتغول على القانون.
وأشار إلى أن انسداد الأفق السياسي الداخلي جعل المواطنين يشعرون بأن السلطة لا تعبر عن آمالهم، ما يدفعهم لعدم التعاطي معها، إضافة إلى تعزيز دور العشائر على حساب تطبيق القانون، وتفشي الأزمة الاقتصادية.
وأوضح أن هذه الحالة تنعكس سلبياً على السلم الأهلي والمجتمعي الذي يشكل أساس مناعة وحصانة المجتمع الفلسطيني، ويضعف الحاضنة الشعبية من أجل مواجهة الاحتلال ومخططاته، ما يُفقد المواطنين من أي إمكانية لإصلاح سياسي.
وعد أن استمرار الفراغ في السلطة الذي يرافقه تردي الحالة المجتمعية "وصفة لدمار المجتمع الفلسطيني، وإدخال مصطلح الصراع على السلطة الذي يسعى لتنفيذه الاحتلال".
ولفت التأكيد إلى أن الفلتان الأمني بحاجة إلى معالجة الأسباب الحقيقية من جذورها، وإفساح المجال أمام المواطنين لاختيار من يمثلهم.