صاحب القرارات الوازنة والمتزنة، هكذا عُرف المهندس الشهيد إسماعيل أبو شنب الرجل الذي جمع بين السياسية والجهاد، امتلك عقلية فذة مكنته من الموازنة بين حياته الشخصية وحياته في المقاومة والسياسة.
خمسة صواريخ أطلقتها طائرة مروحية حربية إسرائيلية تجاه سيارة مدنية غرب مدينة غزة، كانت كفيلة أن تسلب الشعب الفلسطيني قائدًا سياسيًا محنكًا، ورمزًا وطنيًا وثقافيًا ووحدويًا.
تلك الشهادة كانت خاتمة مسك للرجل السياسي الفذ، فعُرف عنه الإبداع والمثابرة، ولم يتوانَ عن تحقيق الإنجازات، فكان ذا بصمات واضحة في العمل السياسي والعمل الجهادي.
يوافق اليوم الحادي والعشرون من أغسطس الذكرى الثامنة عشرة على اغتيال عضو المكتب السياسي لحركة حماس المهندس إسماعيل أبو شنب.
الميلاد والنشأة
ولد المهندس إسماعيل حسن محمد أبو شنب "أبو حسن" في الثامن والعشرين من مارس عام 1950م في خيمة على رمال ملعب اليرموك بمدينة غزة، لينتقل بعدها مع أسرته اللاجئة من بلدة الجية إلى مخيم النصيرات وسط القطاع، حتى تزوج في الرابع من أغسطس عام 1977م.
درس أبو شنب المرحلة الابتدائية في النصيرات، وأكمل المرحلة الإعدادية بمدرسة غزة الجديدة للاجئين، بعد أن انتقلت أسرته للعيش في مخيم الشاطئ عام 1963م، ثم التحق بمدرسة فلسطين الثانوية إلى أن اندلعت حرب 1967م، التي حرمته وجميع طلاب الثانوية العامة من التقدم للاختبار؛ ما دفع وكالة الغوث أن تتخطى شهادة الثانوية العامة بإجراء اختبار عام كشرط للدراسة في معهد المعلمين برام الله.
انتقل المهندس إلى الجامعة ودخل قسم اللغة الإنجليزية، لكنه غيّر رغبته إلى دراسة الهندسة المدنية وأتم البكالوريوس، ثم حصل على درجة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة كولورادو الأمريكية عام 1983م.
دوره المؤسساتي
في عام 1975م عمل في بلدية غزة، ثم عمل مدرسًا في جامعة النجاح بنابلس عام 1983م، وشغل منصب رئيس قسم الهندسة بين عامي 1984م-1985م، كما عمل مهندسًا في وكالة الغوث إلى أن اعتقله الاحتلال في مايو 1989م، وبعد خروجه من السجن عام 1997م عمل محاضرًا في الجامعة الإسلامية بغزة حتى استشهاده.
شارك في تأسيس نقابة المهندسين عام 1976م بهدف الارتقاء المهني والتطويري للكادر الهندسي والتحسين من أدائه، كما كان أحد المشاركين في تأسيس الجمعية الإسلامية بغزة عام 1976م.
وشارك أيضًا في تأسيس كلية المجتمع في الجامعة الإسلامية بغزة عام 1998م، وعمل على تأسيس مركز أبحاث المستقبل بغزة عام 2000م.
دوره القيادي
في بداية عمله الدعوي تعرف المهندس على الشيخ المؤسس أحمد ياسين، وكان يداوم على حضور خطبه ومحاضراته الدينية والوطنية، حتى نمت بينه وبين الشيخ علاقة تنظيمية، وعمل بشكل مشترك مع الشيخ على إيقاد شعلة انتفاضة الحجارة عام 1987م، وإطلاق جذوة العمل العسكري ضد الاحتلال.
خلال الانتفاضة ترأس أبو شنب اللجنة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والتي كانت المسؤولة عن إصدار بيانات الحركة ومنشوراتها.
وفي الحادي والثلاثين من مايو عام 1989م، اعتقل الاحتلال القائد أبو شنب بتهمة اتصاله بالخلية العسكرية التابعة لكتائب القسام التي خطفت الجندي الإسرائيلي إيلان سعدون وقتلته في مايو 1989م، وحُكم عليه بالسجن الفعلي لثماني سنوات، أمضى منها سنتين في العزل الانفرادي، والباقي في سجن عسقلان حتى خرج من السجن عام 1997م.
كان أبو شنب ذا حنكة سياسية عالية، وتمتع بعلاقة حسنة وواسعة مع فصائل العمل الوطني والإسلامي في سبيل التوفيق بين المواقف والإجماع على مقاومة الاحتلال، فترسخ دوره البارز في تقوية أواصر الصف الفلسطيني الداخلي.
وكان إيمان القائد أبو شنب عميق بأحقية القضية الفلسطينية أمام الكيان الباطل، وأن القدس هي قلب الصراع، وأن العمل المسلح هو رأس مال المقاومة، وهو الخيار الأوحد لانتزاع الحقوق وردع الاحتلال.
قبل استشهاده بساعات شارك المهندس في اجتماع مطول لقيادة الحركة لمناقشة التطورات الفلسطينية وأوضاع الحركة بحضور الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
موعد مع الشهادة
بعد أشهر قليلة على محاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، استهدفت طائرات الاحتلال في الحادي والعشرين من أغسطس عام 2003 سيارة غرب مدينة غزة بعدة صواريخ كان يستقلها أبو شنب؛ ما أدى إلى استشهاده واثنين من مرافقيه، وإصابة 19 فلسطينيًا.