فلسطين أون لاين

هبات عديدة مثلت فرصة لانطلاقها ومنعتها السلطة

تقرير الانتفاضة الثالثة بالضفة.. ظروف قائمة ونظام سياسي يقف حائلًا دونها

...
انتفاضة
غزة/ يحيى اليعقوبي:

رغم أن الظروف الموضوعية لاندلاع انتفاضة شعبية شاملة في الضفة الغربية المحتلة قائمة منذ سنوات، لكن السلطة الفلسطينية، وفق مراقبين، لا زالت تحول بسياساتها الأمنية ضد الشبان الفلسطينيين دون إطلاق شرارتها، ووقفت في وجه هبات مقدسية عدة كادت أن تمثل انطلاقة ونواة لانتفاضة شاملة.

ففي أكتوبر/ تشرين أول عام 2015م انطلقت انتفاضة "القدس"، نتيجة تواصل اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى، وظهرت جرائم الإعدامات الميدانية للمواطنين الفلسطينيين، ولا تزال متواصلة حتى اليوم، وسبقها حرق المستوطنين للطفل المقدسي محمد أبو خضير، فضلا عن هبة البوابات الإلكترونية في يوليو/ تموز 2017م، وهبة باب  الرحمة في فبراير/ شباط 2018م.

كل هذه الهبات شكلت فرصاً ونواة لاندلاع انتفاضة حقيقية شاملة، لكن السلطة وقفت في وجه توسيعها، وعملت على ملاحقة أي مبادرة لفعل ثوري مقاوم بالاعتقال تارة ومنع التظاهرات أخرى إلا ما يخدم أهدافها السياسية بعيدًا عن مناطق التماس مع جنود الاحتلال.

ويرى محللون سياسيون في أحاديث منفصلة مع صحيفة "فلسطين" أن تصريحات عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح) جمال محيسن أمس بأن مسيرات الضفة اليوم، "هي بداية لبرنامج نضالي شامل لمواجهة الإجراءات الأمريكية الإسرائيلية، وصولاً إلى انتفاضة شاملة في وجه جرائم الاحتلال"، "لا تخرج عن كونها فعل سياسيا استعراضيا، فالسلطة ليس لديها إرادة لإطلاق انتفاضة شاملة".

ظروف قائمة

ويقول الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف: "علينا أن نميز بين الأمنيات والواقع، فما يقوم به الاحتلال يفترض أن يدفع أكثر نحو انتفاضة شاملة منذ فترة طويلة في ظل المشاريع التآمرية والتغول الاستيطاني على الضفة الغربية"، مبينًا أن الظروف الموضوعية لإحداث انتفاضة موجودة وقائمة لكن الإشكالية تتعلق بالنظام السياسي غير القادر على دفع استحقاق وثمن الانتفاضة سياسيَّا واقتصاديَّا.

وأضاف عساف لصحيفة "فلسطين"، أن للانتفاضة استحقاقا وثمنا فهي ليست أمنية أو فعالية سياسية ليشارك بها الناس من هنا وهناك، وإنما بحاجة لمقاومات الاستمرارية ومتطلبات أخرى كثيرة.

ويرى أن على فتح إعادة تقييم المرحلة بالضفة الغربية للخروج من المأزق السياسي باتجاه استعادة ثقة الشعب ومغادرة نهج أوسلو، فالشارع الفلسطيني قبل أن يتحرك يريد رؤية قيادة في الشارع، وليس صورًا بروتوكولية في مظاهرات استعراضية.

ولفت إلى أن انتهاك الاحتلال اليومي للحقوق الفلسطينية، وبطشه بالضفة الغربية والقدس، أثر على زيادة نسب البطالة والفقر بين الفلسطينيين، مما يتطلب أولا تحقيق وحدة فلسطينية قبل كل شيء.

ويعتقد عساف كذلك، أن السلطة لا تستطيع تحمل تبعات الانتفاضة من قمع وسجن وإلغاء للامتيازات الممنوحة لقياداتها من قبل الاحتلال، "فالسلطة ليست جاهزة للدخول بانتفاضة، ولو أرادت ذلك عليها أولا استعادة الوحدة والتحول لسلوك سياسي يخدم أهداف الانتفاضة وطنيَّا".

تغول استيطاني

من جانبه، عدّ الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، تصريحات القيادي محيسن "غير دقيقة"، فالظروف القائمة من تغول استيطاني إسرائيلي تضاعف أربع مرات منذ "أوسلو"، وميداني من جيش الاحتلال على الشعب الفلسطيني يستدعي انطلاق انتفاضة.

وأشار عبيدات لصحيفة "فلسطين" إلى اندلاع عدة هبات في القدس كهبة البوابات الإلكترونية، وسبقها إحراق المستوطنين للفتى أبو خضير، فضلا عن هبات شعبية أخرى عام 2014م، كانت فرصة مواتية لنقل الانتفاضة من المستوى المحلي إلى المستوى الشعبي العام في عموم أراضي الضفة الغربية المحتلة.

واستدرك بأنه ليس لدى السلطة إرادة سياسية لذلك، فقبل الذهاب نحو انتفاضة شعبية شاملة عليها أولا التحلل من التزامات أوسلو التي لم تعد تلتزم بها (إسرائيل) كما لم تعتد السلطة الخروج من هذا المسار، وكذلك عليها سحب الاعتراف بـ(إسرائيل) ومراجعة بروتوكول باريس الاقتصادي، منبهًا إلى أن كل هذه العوامل تشكل كوابح تقوض السلطة وتمنعها من اندلاع انتفاضة.

وأوضح عبيدات أن السلطة ليس لديها رؤية خارج إطار المفاوضات، وهذا ما أكد عليه رئيسها محمود عباس بأن المفاوضات خيار السلطة الوحيد.

وأشار إلى أنه بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اعتراف بلاده بالاستيطان في الضفة وعدم تناقضه مع الشرعية الدولية، اتجهت قيادة السلطة لتنظيم مجموعة من الفعاليات ذات البعد الموسمي والتي لا تأتي ضمن استراتيجية فلسطينية موحدة لخلق حالة شعبية باتجاه أن تكون مقدمة لانتفاضة شعبية شاملة.

ويرى أنه حتى اللحظة لا يوجد قرار ولا إرادة للتحلل من "أوسلو" أو العمل على انتفاضة شعبية فلسطينية، وما يجري الحديث عنه عمل استعراضي يتم دون خطة.

وحول أسباب منع السلطة اندلاع الانتفاضة، عزا عبيدات ذلك إلى المصالح الخاصة لفريق السلطة الذي يرى أن وجود انتفاضة يمثل تهديدًا لمصالحهم مما يدفعهم لمنعها.

والانتفاضة، وفق عبيدات، تتطلب تغيير شكل ووظيفة السلطة وعلاقتها بمنظمة التحرير ودورها الأمني، وتستدعي أولًا إنهاء الانقسام، "فلو رغبت السلطة بالانتفاضة لدفعت بها منذ نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) للقدس".