لم تتجاوز الساعة السادسة والنصف صباحًا، حينما أفاق حسن حرز الله وأفراد عائلته، على أصوات اقتحام عناصر عسكرية جاؤوا على متن نحو 11 مركبة أمنية تتبع السلطة، لمنزلهم الواقع في بلدة يعبد قضاء جنين.

للوهلة الأولى اعتقد حرز الله أن القوة تتبع قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكن صدمته تعاظمت عندما علم أن المقتحمين هم فلسطينيون مثله.

للحظة تحوّل البيت الذي قدَّم لفلسطين أربعة أسرى، إلى ساحة معركة سخَّرت فيها السلطة كل أدوات القمع لترويع الأطفال والنساء، اعتدت قوات السلطة على أم الأسرى، وأنزلوا دمعاتها وهي تحاول الدفاع عن نجليها المحررين حمزة وحسين بعد مداهمة منزلهما، وانهالوا بالضرب المبرح على نجليها الآخرين محمد وحسن بواسطة الهراوات والأيدي أمام أعين والدتهم وأطفالهم.

بصوت يغلفه القهر يروي حسن حرز الله التفاصيل لصحيفة "فلسطين" قائلاً: "اقتحموا البيت، بالبداية اعتقدنا أنهم جنود جيش الاحتلال، بعدما حاصروا البيت، وسحبوا الهويات (وثائق شخصية)، بدون مذكرة تفتيش أو إذن محكمة، دفعوا شقيقتي وزوجة أخي بمقدمة البندقية على كتفها".

أربعة أشقاء

على الرغم من كل ما فعله عناصر أمن السلطة خلال اقتحامهم المنزل، باعتقال "حمزة" في بداية الأمر، عادوا وقال أحدهم لحسين محاولاً قهر والدته: "تعال، شكلك اشتقت لأخوك حمزة".

وصف حرز الله ما جرى بـ"همجية فاقت اعتداءات جيش الاحتلال"، موضحًا، أنه "تعرض للضرب من قبل خمسة عناصر، استخدموا الهراوات، فضلًا عن الضرب بالأيدي والأقدام بشكل متواصل على رقبته ووجهه ويديه، تعرض خلالها لرضوض" وثقها بصور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.

اعتقلت أجهزة أمن السلطة المحرر حمزة حرز الله الذي لم يمضِ على الإفراج عنه سوى أربعة أشهر من سجون الاحتلال، بعد اعتقال دام أربعة أشهر، وشقيقه "حسين" الذي أمضى في سجون الاحتلال عامين ونصف، لتغيب أجهزة أمن السلطة اثنين من الأخوة، كما يشارك الاحتلال بتغيب اثنين آخرين، وهما "عبد الغني" المحكوم بسجون الاحتلال عامًا أمضى منه عشرة أشهر، و"فراس" الذي يمضي سبعة أشهر في اعتقاله الرابع لدى الاحتلال.

الاعتقال الثامن

في بلدة عصيرة الشمالية بنابلس، وبعد منتصف الليل، بالكاد عاد المعلم مُفدّى سعادة وزوجته وأطفالهما من مشوار عائلي، حتى أفزعهم صوت قرع الباب بوحشية من عناصر أتوا إلى منزله بنحو عشر مركبات مكونة من قوت أمنية مشتركة لأجهزة أمن السلطة من المخابرات، والقوات الخاصة والاستخبارات، لم يكن الهجوم مفاجئًا لزوجته فهذا الاعتقال الثامن لزوجها.

ففي يونيو/ الماضي عاشت العائلة نفس المشهد بنفس التوقيت، اعتقل مفدى خلالها ثمانية أيام، فضلًا عن اعتقاله في ديسمبر/ كانون الأول الماضي 11 يومًا في سجون السلطة، وبعد الإفراج عنه بيومين اعتقله الاحتلال 40 يومًا.
تروي بقية التفاصيل لصحيفة "فلسطين": "عندما فتحنا باب البيت، عرَّفوا عن أنفسهم وطلبوا اعتقال زوجي، وتناقشنا معهم عن سبب الاعتقال وهو لا يوجد عليه أي شيء، ففتشوا البيت، وصعدوا على منزل شقيقيه مجاهد، ومناضل الذي أمضى 18 عامًا في سجون الاحتلال، ومكثوا هناك ساعة، فتشوا خلالها غرف المنزل واعتقلوا كذلك شقيقهم "مكين".

اعتقلت أجهزة أمن السلطة الأشقاء الأربعة، وصادرت هواتفهم وحواسيبهم، ولم تعرف عائلتهم أي خبر عنهم حتى اللحظة، ولا عن سبب الاعتقال بزعم وجود عطلة رسمية للمحاكم.

بين نبرات صوتها، يختلط القهر والصبر وهي تتحدث عن معاناة كبيرة تعيشها العائلة نتيجة توالي الاعتقالات، "جعلت حياتنا غير مستقرة، لذلك يجب أن تكون مستعدًا للاقتحام المفاجئ للبيت في أي لحظة، ويصبح عملك غير مستقر، تشل حياة الإنسان وبيته".

في كل اعتقال تتضاعف الأعباء على زوجة المعلم سعادة، فتؤدي دور الأب والأم في آن واحد.

ويعمل سعادة مدرسًا بوزارة التربية والتعليم منذ ما يزيد على 20 عامًا، وشارك في الإضراب الأخير الذي نظمه المدرسون لتحصيل حقوقهم، ترجح زوجته أن يكون هذا سبب الاعتقال، نتيجة مشاركته في الإضراب الذي خاضه قرابة 20 ألف معلم ومعلمة.
وتشن أجهزة أمن السلطة حملة اعتقالات واسعة شملت عدة محافظات بالضفة الغربية، تطال عددًا من النشطاء والطلبة والمحررين، مع استمرار زجِّ العشرات في سجونها، ووثقت مؤسسات حقوقية 63 حالة اعتقال منذ 3 يوليو/ تموز الجاري.