بعد ليلة سادت فيها حالة من الغضب بين أبناء الشعب الفلسطيني في إثر اعتداء قوات شرطة الاحتلال على المصلين والمعتكفين بالمسجد الأقصى بوحشية، سبقتها ليلة أخرى دامية، حلت فرحة عارمة بمجرد إطلاق رشقات صاروخية من لبنان سقطت في منطقة الجليل المحتل.
فاجأت الرشقات قادة الاحتلال الأمنيين والسياسيين الذين لم يتوقعوا أن يأتي الرد على جرائم الاحتلال وعدوانه على الأقصى من الساحة اللبنانية في وقت أشغلتهم المقاومة في غزة بردها، مما يؤكد وفق مختصين ومحللين سياسيين تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين" التنسيق المشترك بين الساحات ووحدة وتشابك الجبهات.
فرحة عارمة
على مواقع التواصل الاجتماعي امتزجت منشورات رواده الأولى بالفرحة والصدمة في آنٍ واحد، فقُبيل ساعات نشرت الناشطة سهام عصام الدين عبارات تعبر فيها عن حزنها وألمها على ما يحدث بالمسجد الأقصى هي والآلاف غيرها، بكلمات مليئة بالفرح والدهشة كتبت: "حرقوا الشمال وأنا نايمة، 100 صاروخ وكل هادا رسائل وعلى الباغي تدور الدوائر" وأرفقت صورًا لما خلفته الصواريخ من أضرار في دولة الاحتلال.
بينما تهكم الناشط من الضفة الغربية عبد الله شتات على عجز الاحتلال وصدمته وكتب: "فوقكم وشمالكم وجنوبكم وشرقكم وغربكم غزة"، وكتب في منشور آخر: "رشقات من غزة، تلاها رشقات من لبنان، رسائل قاسية مفادها النيران الحارقة ترسم خريطة المواجهة".
الناشطة سمية إبراهيم كتبت: "ستظل غزة أم المقاومة وقلبها النابض"، وقالت الناشطة عبير مراد: "الحزب خلع الشمال"، فيما عبرت فاطمة شراب عن فرحتها بالقول: "محلا ليالي لبنان" محمد حمودة قال: "عندما تكون البوصلة القدس تتوحد الساحات وتتبارك الرشقات".
أما الخبير الأمني محمد أبو هربيد فأعاد نبش الذاكرة وكتب على صفحته: "في 2021 تكاملت الساحات وفي 2023 تشابكت الجبهات، إنها بركة المسجد الأقصى"
بينما علَّق المختص في شؤون المقاومة محمد حسونة على فشل الاحتلال الأمني وجاء في منشوره: "استخلص الاحتلال من معركة مايو 2021 تحسين جودة الاستخبارات بغرض الحيلولة دون الوقوع في خداع المقاومة، لكن ذات الخطأ يتكرر والمقاومة تنجح في خداعه، إذ كان تركيزه في الجنوب فجاءته الصفعة من الشمال".
فلسطين أكبر من جغرافيتها
بالنسبة للخبير الأمني والإستراتيجي اللواء المتقاعد محمد المصري، فإن رشقات الصواريخ التي أطلقت من لبنان لم تكن مفاجئة، لكون أن ما حدث في المسجد الأقصى كان يشعر بالعجز والإحباط، والشعب الفلسطيني كان ينتظر أي رد.
ويرى المصري لصحيفة "فلسطين" أن رد المقاومة من لبنان يؤكد وحدة الساحات ووحدة الميدان، وأن فلسطين أكبر من جغرافيتها، إذ جاء الرد من الساحة اللبنانية على اعتداءات الاحتلال.
وقال المصري: إن "دولة الاحتلال المتغطرسة وحكومتها الفاشية لم تتوقع ردة الفعل على جرائمها بالمسجد الأقصى، وأبعد توقعاتها ذهبت إلى أن يكون الرد بإطلاق عدد قليل من الصواريخ تسقط بمناطق فارغة، فالعدد ليس مهمًا كثيرًا هنا فصاروخ واحد من لبنان يكفي"، معتقدًا، أن الاحتلال تفاجأ من حجم الرد.
وبالرغم من أن جيش الاحتلال أجرى مناورتَين عسكريتين على حدود لبنان تحاكي حربًا على عدة جبهات في الفترة الماضية، إلا أن اللواء المتقاعد يقلل من استعداد جيش الاحتلال لذلك فعليًا.
ويعتقد أن جيش الاحتلال لا يستطع حماية المجتمع الإسرائيلي، وبات يشهد حالة انقسامات داخلية، ومن غير المعروف إن كان وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت مقال أم يمارس عمله في ظل أزمته مع نتنياهو.
ورأى أن الظروف الحالية في مصلحة الشعب الفلسطيني، في ظل وجود حكومة إسرائيلية فاشية يسهل محاصرتها على الصعيد الدولي، وأصبحت عبئًا على حلفائها الدوليين، حتى أن أمريكا الحليف الاستراتيجي للاحتلال بدأت تتخلى عنه ككيان مشترك.
وجاء الرد، وفق المصري، بوقت تشهد فيه دولة الاحتلال انقسامًا داخليًا، وجنود جيش الاحتلال يهددون بعدم الخدمة، وانقسامات داخل المؤسسات الإسرائيلية.
ووفق اللواء المتقاعد، تقوم المعارك بوجود جبهة داخلية غير مفككة، بالتالي لا يستطيع نتنياهو قيادة هذه الحرب لأن حكومته ستتعرض للانهيار ومن ثم ستتم محاكمته، مما يؤكد أن الاحتلال غير جاهز لمعركة على كل الجبهات.
وحدة الساحات
في حين يعتقد المختص في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، أن الرسالة الأهم وهي تجسيد لمفهوم "وحدة الساحات" التي أرست قواعدها من جديد معركة سيف القدس صيف 2021.
وقال مناع لصحيفة "فلسطين" إن الرشقات تؤكد بأن أبناء الأرض المحتلة ليسوا فُرادى في المواجهة القائمة اليوم، ولا سيما المرابطين في القدس، فالحدث بغض النظر عن انعكاساته إلا أنه مربك تمامًا للاحتلال.
وأضاف أن الحدث "يعيدنا إلى حديث القيادي في سرايا القدس أكـرم العجوري ومن قبله القائد في كتائب القسام محـمـد السنوار كجزء مهم من فهم المشهد القائم، فكلاهما أكدّا التنسيق ووحدة موقف "محور المقاومة"، لكن على كل الأحوال الأمور لن تدحرج إلى نقطة الحرب.
وبشأن توقيت الرشقات الصاروخية، يعتقد أن الاحتلال كان يتطلع نحو غزة ومنهمكًا لما يحدث بالضفة الغربية، ناهيك عن الحالة السياسية الداخلية المتردية والخِلافات المتجذرة.
وأربك الحدث، كما ذكر مناع، منظومة الاحتلال الأمنية، ووضع الاحتلال في موقف محرج من ناحية بحاجة إلى وجود رد حفاظًا على نظرية الردع، ومن ناحية أخرى ستكون حذرة ومضبوطة تمامًا خشية من خوض غمار مواجهة مع حزب الله.