فلسطين أون لاين

آخرها أحداث بلدتي "سعير والرشايدة"

تقرير أزمات الخليل.. صراعات تُغذّيها نفوذ وقرارات غير مدروسة من السلطة

...
بلدية سعير
الخليل-غزة/ نور الدين صالح:
  • أبو اسنينة: الأزمات سببها "غياب السلطة وهيبة قضائها"
  • حلايقة: الاحتلال المستفيد الأول من حالة الفلتان
  • زاهدة: انتشار "السلاح العشائري" أثار الفتن في الخليل
  • عمرو: سلوك السلطة خلق حالة من التوتر والفلتان

فتحت الأحداث الدائرة بين بلدتي الرشايدة وسعير جنوب الضفة الغربية الممتدة منذ أكثر من عشرة أيام، أوجاع أهالي لم تجف دماء عدد من أبنائها ممن قُتلوا على خلفية شجارات عائلية.

وتوفي أول من أمس المواطن محمد جرادات (47 عامًا) متأثرًا بإصابته البليغة في الرأس، على خلفية شجار وقع قرب بلدة سعير شرق الخليل قبل أكثر من عشرة أيام، ولا تزال الأحداث مستمرة حتى الآن.

ونشبت الخلافات بين أهالي سعير وعرب الرشايدة، على خلفية قرار هيئة تسوية الأراضي التابعة للسلطة، والقاضي بتسجيل ما يقارب من ١٩٧ ألف دونم في سجل الهيئة إلى أراضي بلدة الرشايدة، في إثر خلاف ملكية بين البلدتين.

ووفق مصادر محلية، ارتفعت حدّة الخلافات التي وصلت إلى تبادل إطلاق النار بين مسلحين من البلدتين، فيما يفرض أهالي "سعير" "حصارًا" على "عرب الرشايدة" شرق بيت لحم، في أعقاب مقتل المواطن "جرادات"، الأمر الذي يفاقم الأزمة، في ظل صمت واضح من السلطة وأجهزتها الأمنية والقضائية لحل الأزمة.

وتتهم عائلات من "سعير" بعض الأشخاص من "عرب الرشايدة" بالمسؤولية عن مقتل "جرادات"، فيما طالبت "رابطة شباب بلدة الرشايدة" الجهات الأمنية بضرورة رفع "الحصار" المفروض عليهم منذ عدة أيام.

حادثة "سعير والرشايدة" ليست الأولى التي تعيشها محافظة الخليل، إذ لا يزال الخلاف بين عائلتين كبيرتين بالمدينة قائمًا بعدما اشتد عام 2021 الماضي، على خلفية حوادث قتل تعود بداياتها إلى 16 عامًا، تلتها اشتباكات مسلحة وحرق ممتلكات للعائلتين بملايين الدولارات.

غياب السلطة

ويعزو مراقبون الأزمات التي تمر بها محافظة الخليل إلى القرارات "غير المدروسة" للسلطة وغياب هيبتها وقضائها، متهمين متنفذين من السلطة بتغذية الفلتان الأمني عبر التغاضي عن انتشار السلاح في أيادي المواطنين.

وطالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم)، في وقت سابق، رئيس وزراء السلطة ووزير الداخلية بالتدخل لإنهاء مشكلة سعير وعرب الرشايدة، ووقف تداعياتها الخطيرة.

واتهم رئيس بلدية الخليل تيسير أبو اسنينة، السلطة وهيئات القضاء التابعة لها بالتسبب في إحداث الأزمات في الخليل، ما أدى إلى انتشار الفلتان الأمني والسلاح في أيدي أشخاص يتبعون جهات متنفذة.

وقال أبو اسنينة في حديث لصحيفة "فلسطين": "إن السبب الرئيس لحدوث الأزمات والفتنة في الخليل يعود لتغليب بعض الأشخاص مصالحهم الخاصة على المبادئ والقوانين، ما يدفع المواطنين لأخذ حقوقهم بأيديهم".

اقرأ أيضاً: وسط غياب السلطة.. 9 أيام على حصار الاحتلال لمخيم "عقبة جبر"

وشدد على أن "الأمن لا يأخذ دوره المطلوب في استعادة حقوق المواطنين"، مضيفًا: "اللجوء للقضاء يعني ضياع القضية، لذلك فإن غياب الأمن وهيبته يؤدي للخروج عن القانون".

وأكد أن استمرار الأزمات وحالة الفلتان الأمني لها انعكاسات سلبية على السلم المجتمعي الأهلي في الخليل، مطالبًا بتقوية القضاء والحفاظ على الاستقلال الحقيقي له، وإعادة الحقوق لأصحابها.

كما دعا أبو اسنينة، السلطة إلى المحافظة على الأمن في الخليل وعدم التعامل بازدواجية مع الأحداث المؤسفة التي تندلع بين الفينة والأخرى.

بدورها، استنكرت النائب في المجلس التشريعي سميرة الحلايقة، استمرار الأزمات في الخليل، داعيةً الجهات المختصة إلى التدخل وحقن دماء الشعب الفلسطيني، خشية سقوط ضحايا في الأيام القادمة.

وأكدت الحلايقة لـ"فلسطين"، أن الأشخاص الذين يحملون السلاح ويمارسون الفتنة هم خارجون عن القانون، ويجب وضع حد لهم، مشددةً على أن "المستفيد الأول من هذه الحالة هو الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه".

وقالت: "في معظم الأزمات التي تحدث يسقط ضحايا آمنون بفعل إطلاق نار من أناس خارجين عن القانون ولا يهمهم مصلحة تحقيق الأمن"، مشيرةً إلى أن مطلقي النار على "جرادات" لا يزالون طلقاء حتى الآن، وهو ما ينذر بمخاطر كبيرة.

وحمّلت المسؤولية لبعض الأشخاص المتنفذين الذين يستغلون الأحداث للخروج عن القانون وارتكاب المزيد من أعمال الفتنة، داعيةً للجلوس على طاولة مستديرة وإنهاء كل الخلافات.

قرارات "غير مدروسة"

ورأى الناشط السياسي صهيب زاهدة، أن أزمات الخليل ناجمة عن إصدار السلطة قرارات "غير مدروسة" بالإضافة إلى تفشي ظاهرة انتشار السلاح بين أيدي شخصيات تتبع لجهات متنفذة فيها، مستدلًا على ذلك بقرار هيئة سلطة الأراضي في قضية أهالي "سعير والرشايدة".

وكشف زاهدة في حديثه لـ "فلسطين"، عن انتشار ما يُسمى "السلاح العشائري" الذي يعزز ظاهرة الطائفية وإثارة الفتن على مرأى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، قائلًا: "بإمكان السلطة إنهاء ظاهرة الفلتان الأمني لكنها لا تريد ذلك، لإبقاء حالة الفوضى بين المواطنين".

وأضاف أن "الفلتان الأمني أصبح لهجة تهديد من السلطة ضد المواطنين في الخليل".

وأيّد ذلك الناشط السياسي محمد عمرو، مؤكدًا أن سياسات السلطة وسلوكها خلقت حالة من التوتر في غالبية مدن الضفة الغربية وأبرزها الخليل التي شهدت عدّة أزمات على مدار السنوات القليلة الماضية.

وقال عمرو لـصحيفة "فلسطين": إن "من يحكم الضفة هم عصابة من أفراد السلطة"، محملاً الأخيرة المسؤولية الكاملة عن استمرار حالة الفلتان في الخليل.

اقرأ أيضاً: "شيكل لدعم القدس".. تهكم وتساؤلات عن دور السلطة

وأضاف أن "السلطة تقف متفرجة أمام هذه الحالة المتردية في الخليل، علمًا أنه بمقدورها إنهاء هذه الظواهر في فترة وجيزة"، لافتًا النظر إلى أنها لم تصدر أي قرارات أو مراسيم في الآونة الأخيرة تخدم المصالح الوطنية العامة إنما فئات متنفذة".

وبحسب عمرو، فإن مجموعات من المواطنين مدفوعين من شخصيات متنفذة من السلطة تسعى لخلق حالة من التوتر في الخليل، لإلهاء الناس عن المشكلة الأساسية وهي الاحتلال الإسرائيلي".

واتهم السلطة بتدمير المنظومات العشائرية ومؤسسات المجتمع المدني في الخليل، الأمر الذي فاقم الحالة المتردية فيها، منبّهًا إلى أن حالة الفلتان والأزمات انعكست سلبيًّا على السلم الأهلي.