فلسطين أون لاين

الاعتقال السياسي.. حملة أمنية تواكب ظروفًا لم تشهدها الساحة الفلسطينية

...
أجهزة السلطة بالضفة الغربية (أرشيف)
َ
  • عساف: السلطة تُعزّز قبضتها الأمنية تمهيدًا لتغيُّرات "ما بعد عباس"
  • الأطرش: أجهزة السلطة لا تتعاون في شكاوى التعذيب ولا تحقق بجديَّة

منذ أيام لا أحد يسمع أنين الشابَّة رنين الهور (22 عامًا) التي يتردد صداها داخل جدران غرف منزلها، ترقد طريحة الفراش على سريرها بعدما دهستها حافلة مخابرات السلطة في أثناء اعتقالها والدها وشقيقها، قبل أن تفرج عنهما مؤخرًا بعد تسعة أيام من الاعتقال.

لم تستطِع "رنين" وهي من بلدة صوريف شمال الخليل الصمت على رؤية والدها يُضرَب بهراواتِ وأقدام أفراد أمن السلطة، فحاولت إفلاته من بين أيديهم في أثناء اقتياده إلى الحافلة، إلى أن صعقها أحد العناصر، فسقطت على الأرض، وسار السائق بحافلته على قدمها، على الرغم من تنبيه أحد الأشخاص له بوجود قدمها تحت الحافلة.

غياب متواصل

على طرف سماعة الهاتف الأخرى، تقول "رنين" لـصحيفة "فلسطين": "إنّ غياب أبي وأخي مدة تسعة أيام أثّر فينا جميعًا في البيت، فأبي هو المُعيل لنا، وأكثر ما يؤثر فينا أنه أخبر المحامي بتعرضه لتعذيب شديد، فلم يكتفوا بالاعتداء علينا ودهس قدمي وتنصُّلهم من الاعتداء، إذ أجبروا المستشفى على إصدار تقرير بتقييد الاعتداء ضد مجهول".

تشرح وضعها الصحي بصوت يسكنُه الأسى: "ما زلتُ أعاني تمزُّقًا بالقدم".

اقرأ أيضًا: أمن السلطة يواصل حملات الاعتقال السياسي بحقّ المواطنين

تصف الهور الاعتقال السياسي بأنه "جريمة بشعة"، لكونه يرهق الأهالي، بدءًا بحرمانهم من ذويهم، ثم إرهاقهم بدفع الغرامات، وزيارة السجون والمحاكم لجلب أيّ معلومات بشأن مصير أبنائهم، بدلًا من منع المستوطنين من العبث بالأرض وقتل أبناء الشعب.

بمنشورٍ على صفحته على فيسبوك وجَّه الصحفي راضي كرامة، "نداءً عاجلًا" إلى أبناء محافظة الخليل، عقب اقتحام أجهزة أمن السلطة منزله الخميس الماضي واعتقال عدد من أبناء العائلة، وإطلاق النار، ما أدى لنشر جو من الرعب والخوف، وكتب كرامة: "نداء عاجل لكلّ الشرفاء في الخليل ولكبار العائلات، للتدخل لنقل الإصابات وفك الطوق المفروض من الأجهزة الأمنية على منطقة سكني.. اعتقال عدد من أبناء العائلة واعتداء بالهراوات وعصيّ الكهرباء".

المحرر علاء الأعرج الذي خاض إضرابًا عن الطعام في سجون الاحتلال استمر 103 أيام، وأُفرج عنه قبل أربعة أشهر، لم يسلم من حملة أجهزة السلطة التي اقتحمت منزله في محاولة لاعتقاله، لكنه هدَّد بالإضراب عن الطعام إذا اعتُقل، وانطلقت حملات إلكترونية تضامنية معه تحمل وسم "كلنا علاء الأعرج".

ولليوم الـ13 على التوالي واصل مجلس طلبة جامعة بيرزيت اعتصامه داخل أسوار الجامعة، رفضًا للاعتقال السياسي، في حين عاد المعتقل السياسي أنس حمدي للإضراب عن الطعام لليوم الثالث على التوالي، احتجاجًا على مواصلة اعتقاله على ذمة محافظ نابلس منذ 75 يومًا دون تهمة. 

حملة متصاعدة

وصعدت أجهزة أمن السلطة اعتقالاتها بحقّ أبناء حركة المقاومة الإسلامية حماس في الذكرى الـ35 لانطلاقة الحركة، ووصفت مجموعة "محامون من أجل العدالة" الاعتقالات بأنها غير مسبوقة، ومن أكثر الحملات قمعًا ومخالفة للقانون.

ورجحت "محامون من أجل العدالة" زيادة عدد المعتقلين السياسيين على 200، معظمهم محررون، منهم 26 طالبًا اعتقلتهم السلطة من جامعات الضفة الغربية.

مؤسسات حقوقية عديدة أدانت الاعتقال السياسي، وأصدرت بيانات طالبت فيها بالإفراج عن المعتقلين الذين طالتهم حملة أجهزة السلطة بمناسبة الذكرى الـ35 لانطلاقة حركة حماس.

وأكد مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في جنوب الضفة الغربية، فريد الأطرش أن الهيئة تلقت عددًا من الشكاوى بشأن مداهمة المنازل وبعض حالات الاعتقال، منها حالة الشابة رنين الهور التي دُهست، وتعمل الهيئة على متابعتها ومراسلة الجهات الرسمية المختصة بالأمر.

وقال الأطرش لـصحيفة "فلسطين": "في معظم الشكاوى المتعلقة بالاعتقال والاعتداء والتعذيب لا يحدث تعاون من أجهزة أمن السلطة والجهات المختصة، ولا تُجرى تحقيقات جدية".

وعبر عن رفضه وإدانته للاعتقال السياسي الذي يمثل انتهاكًا للقانون الأساسي وحقوق الإنسان، مشددًا على أنه لا يجوز اعتقال أي مواطن، أو مخالفة القانون تحت أي ذرائع.

اقرأ أيضًا: "الشعبيّة" تدين مواصلة أجهزة السلطة لحملات الاعتقال السياسي بالضفة

وعن تقييمه لدور المؤسسات الحقوقية في متابعة القضية، ذكر أنها توثق الانتهاكات وتتابعها وتزور المعتقلين، وتطالب بالإفراج عنهم، مستدركًا: "لكن للأسف النيابة والقضاء يُستخدمان غطاءً من أجل استمرار الاعتقال وتوقيف المعتقلين".

وشدد على أنّ المطلوب هو توقف أجهزة أمن السلطة عن اعتقال أيّ مواطن، وأن يكون هناك قرار سياسي لوقف الاعتقالات، مطالبًا أيضا بأن يكون هناك رفض شعبي ومؤسساتي لهذه الاعتقالات.

اعتقالات لم تتوقف

الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف قال: إنّ الاعتقالات السياسية لم تتوقف، وكذلك قمع الحريات، إلا أنّ الاعتقالات هذه المرة جاءت غير مسبوقة، فقد تجاوزت الانتهاكات المئات من مضايقات، واعتقالات، واستدعاءات، وحجز حريات، واتصالات هاتفية، وواكبت ظروفًا لم تشهدها الساحة الفلسطينية.

وقال عساف لـصحيفة "فلسطين": إنّ الاعتقالات تأتي في ظل تصاعد المقاومة واتساع مجموعاتها في مناطق فلسطينية، ما يتطلب تعزيز الوحدة واحتضان حالة المقاومة هذه".

وأضاف أنّ الاعتقالات تأتي "في ظل تنصيب حكومة استيطان صهيونية تعلن جهارًا ونهارًا أنها ستزيد من جرائمها واستيطانها على امتداد الأرض الفلسطينية ونيّتها ضم الضفة وحرمان الشعب الفلسطيني من أيّ سيادة".

وفسّر عساف سبب تصاعدها بأنّ السلطة وأجهزة أمنها لا تريد استخلاص العبر والدروس من سلوك كهذا، "وكأنها تواصل عنادها وتعنُّتها بتعزيز التغوُّل الأمني وقمع الحريات، بهدف تعزيز القبضة الأمنية تمهيدًا لتغيُّرات في المستوى السياسي في مرحلة ما بعد عباس".