جنين/ غزة-فاطمة الزهراء العويني:
اخترقت أصوات آليات الهدم الإسرائيلية هدوء قرية "جلبون" التي ظلّت مدة طويلة بعيدة عن معاول هدم الاحتلال، بالرغم من قربها من جدار الفصل العنصري، لتشهد العام الحالي عدداً من إخطارات الهدم، نُفذ عدد منها في الشهر الحالي.
ففي أبريل/ نيسان من العام الماضي عزم الشاب خالد أبو الرب على إعمار منزلٍ جديد من طابقين على مساحة 400 متر مربع من أرض عائلته تبعد 120 مترًا عن جدار الفصل العنصري.
وعندما قارب على الانتهاء من تشطيب المنزل وتجهيزه، فوجئ بجيش الاحتلال يسلمه إخطاراً بالهدم في حادثة غير مسبوقة في القرية، "سلموني قراراً بإزالة المنزل في 21 يونيو/ حزيران من العام الحالي.
لم يضيع أبو الرب وقتاً فلجأ فوراً لمحاكم الاحتلال للاعتراض على قرار الهدم غير المبرر، وقدم أوراقه الثبوتية اللازمة، لكن كعادة محاكم الاحتلال في التعامل مع قضايا كهذه، عقدت الجلسة تلو الجلسة لمجرد تضييع الوقت، وفي النهاية حكمت لمصلحة جيش الاحتلال.
ولم ينتظر جيش الاحتلال طويلاً، حيث حاصرت آلياته المنزل في الثاني من نوفمبر الحالي وشرعت بهدمه على الفور، معربًا عن "خيبة أمله" من محاكم الاحتلال التي لم تنصفه رغم أنه لم يرتكب جرماً سوى أنه بنى بيتاً في أرضه.
يقول خالد: "حرمني الاحتلال من عش الزوجية الذي كنت أنتظر انتهاءه بنائه بفارغ الصبر، وحرمت عائلتي المكونة من ثمانية أفراد من بيتهم الجديد".
ويشير إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ينغص الاحتلال فيها عليهم حياتهم، فمؤخراً صودر التراكتور الزراعي الذي يعمل عليه في حراثة الأراضي الزراعية، "ويبدو أننا أمام مخطط لمزيد من التضييق علينا من خلال هدم البيوت".
وتصنف غالبية أراضي الضفة الغربية وفق الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية أنها منطقة "ج" أي تخضع لسيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية كاملة، باستثناء بعض المجالات المدنية، وتشمل هذه المنطقة جميع المستوطنات والمناطق غير المكتظة بالسكان وتشكل ما نسبته 61%.
محاكم غير عادلة
أما الشاب أمير أبو سيف فلم يُفق بعد من صدمة هدم الاحتلال منزله، حيث سارت الأمور بشكل "دراماتيكي" لم يتوقعه أبداً، فقد بدأ ببناء بيته في عام 2017م، وكلما ادخر مبلغاً من المال أنجز شيئاً من البناء البالغة مساحته 110 أمتار مربعة.
ولم يكد يقيم أمير قليلاً في منزله هو وزوجته وأبناؤه الأربعة حتى فُوجئوا بقرار من الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال، يقضي بهدم المنزل.
لم يلجأ أمير لمحاكم الاحتلال لإدراكه المسبق أنها لن تنصفه أبداً، لكنه لم يتوقع أن تهدم قوات الاحتلال البيت بهذه السرعة.
ففي الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، استفاق وأسرته على صوت الآليات تحيط بالمنزل تريد هدمه، طلب منهم مهلة لإفراغ محتوياته فلم يمنحوه سوى نصف ساعة، أخرج بمساعدة الجيران القليل من الأمتعة الأساسية، "وفي ظرف ساعة هدموا حلم عمري وسووه بالأرض".
اضطر أمير لاستئجار منزل بالقرب من منزل عائلته كي يؤويه هو وأطفاله، "وضعت كل تعب عمري في المنزل المهدوم، لا أدري كيف سأتدبر أموري، حسبنا الله ونعم الوكيل".
حصار استيطاني
وتواجه قرية جلبون قضاء جنين حصارًا استيطانيًا من ثلاث جهات، حيث يحيط بها جدار الفصل العنصري، ويستهدفها الاحتلال؛ لموقعها الإستراتيجي وامتداد أراضيها إلى المناطق التي احتلت منذ النكبة.
ويوضح رئيس الجمعية الخيرية في القرية علي أبو الرب، أن مساحة أراضي جلبون تزيد على 36 ألف دونم، تمتد في مناطق بيسان بالداخل وطوباس في الأغوار، مشيرًا إلى أن سلطات الاحتلال صادرت نحو 30 ألف دونم من أراضي القرية مزروعة بأشجار الزيتون، رغم امتلاك أصحابها أوراق طابو رسمية.
ويوضح أن سلطات الاحتلال صادرت بعد نكسة حزيران عام 1967، المزيد من الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات التي تحاصر القرية حاليًا، وهي "ميراف ومعالي جلبوع ويشوع" بجانب مناطق صناعية أخرى للاحتلال.
ويبين أبو الرب أن هذه المستوطنات تسبب مضايقات كثيرة للمواطنين الذين يتعرضون للاعتداءات والتنكيل، إضافة لتحويل المياه العادمة إلى أراضي القرية، ما يتسبب في تلف المزروعات وانتشار الأمراض والحشرات بشكل كبير.