فلسطين أون لاين

عدد كبير منها يقبع في مقبرة الميناء

تقرير قوارب الصيد.. صناعة لا تكفيها كميات "البوليستر ريزن" و"الفيبر جلاس" الواردة لغزة

...
قوارب صيد ترسو في ميناء غزة
غزة/ أدهم الشريف:

عندما تدلف إلى ميناء الصيادين، غرب مدينة غزة، ستشد الزاوية الجنوبية منها نظرك، حيث يقبع عدد كبير من القوارب في منطقة تعرف لدى الصيادين بـ "المقبرة". ستدرك جيدًا عندها؛ حجم المواد والمعدات اللازمة لإعادة تأهيل هذه القوارب، قبل أن تستأنف الإبحار وممارسة الصيد.

تبدو القوارب في هذه المنطقة متهالكة بعد سنوات طويلة من العمل في عرض بحر غزة، وقد انتهى بها المطاف في المقبرة، وبقيت على حالها إلى حين توفر المواد اللازمة لصيانتها.

وتحتاج هذه الصناعة إلى كميات وفيرة من سائل "البوليستر ريزن" و"الفيبر جلاس" أو ما يعرف بـ"الألياف الزجاجية"، وقد منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي دخول هذه المواد لغزة في إطار الحصار المفروض على القطاع؛ المطل على البحر الأبيض المتوسط بساحل يبلغ طوله، 42 كيلومترًا، ويعتمد سكانه وتعدادهم أكثر من مليوني نسمة، على الأسماك، كمصدر أساسي في الأمن الغذائي.

لكن الاحتلال ولأول مرة منذ منع دخول هذه المواد، سمح باستيرادها لغزة، أول من أمس، ضمن آلية تشرف عليها الأمم المتحدة.

وبحسب بيان صدر عن مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص بعملية "التسوية" في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، فقد سمحت سلطات الاحتلال بإدخال مواد إصلاح قوارب صيد الأسماك، لأول مرة منذ 2007.

أما عن كمية المواد الواردة، فهي عبارة عن 25 عبوة من سائل "البوليستر ريزن"، بداخل كل واحدة منها 25 كيلوجرامًا، إضافة إلى كميات من "الفيبر جلاس"، حسبما أفاد جبريل هنية، الذي يدير شركة محلية وصلتها هاتيْن المادتيْن.

وبشأن آلية استيرادها، بيَّن هنية لصحيفة "فلسطين"، أن عدد من الصيادين تقدموا بطلبات لصيانة قواربهم، ومن خلال لجان فنية تتبع الأمم المتحدة ومختصين في هذه الصناعة، تمَّ فحص القوارب وتقدير كميات "البوليستر ريزن" و"الألياف الزجاجية" اللازمة لإنجاز هذه المهمة.

اقرأ أيضا: "أنياب الحصار" تلتهم قوارب الصيادين وتمزق مصدر رزقهم الوحيد

لكنه أكد أن الكميات الواردة فعليًا لا تكفي لصيانة جميع القوارب التي بحاجة لذلك.

وقدَّر أن ثمن العبوة الواحدة من "البوليستر ريزن"، سيصل إلى 500 شيقل، وهو أعلى من الثمن الطبيعي الذي كانت تباع به قبل فرض (إسرائيل) حصارها على غزة، حيث كان يتراوح سعرها بين 200- 300 شيقل.

وبيَّن أن السوق في غزة يحتاج من هذه المادة، 80 طنًا على الأقل، وذلك ضمن المرحلة الأولى لتلبية حاجة السوق.

وتوقع أن تسمح سلطات الاحتلال بإدخال كميات أخرى ضمن الآلية التي تراقب وتشرف عليها الأمم المتحدة.

وبيَّن أن ثمن العبوة الواحدة تجاوز 1600 شيقلاً في أشد مراحل الحصار الإسرائيلي على معدات الصيد.

قوارب متنوعة

وتتعدد أنواع القوارب بغزة، فمنها المخصصة للصيد وتختلف أحجامها وطبيعة الغرض الذي تؤديه في بحر غزة، ومنها ما هو مخصص للسياحة.

وجميع هذه الأنواع، يقدر الشاب عطية مقداد، على صناعتها بحرفية عالية.

ويتخذ مقداد البالغ (35 عامًا) من الزاوية الجنوبية لميناء الصيادين، مكانًا له، حيث يقيم ورشة لصيانة وصناعة القوارب المتنوعة، وتصطف أمامها عشرات القوارب التي بحاجة إلى صيانة وتأهيل.

وقال لـ "فلسطين"، إنه يعمل في هذه الصناعة منذ 2005، وقد ورث المهنة عن والده مصطفى مقداد.

وأضاف، أن عدم توفر المواد والمعدات البحرية من أشد الصعوبات التي تواجه مهنة صناعة القوارب، إضافة الحصار المفروض على معدات الصيد.

ويملك مقداد في ورشته عددٍ من القوالب مختلفة الأحجام، والتي من خلالها يصنع قوارب الصيد والسياحة، وبحسب قوله، فإن يصنع في الوقت الحالي قاربيْن كل سنة، وغالبية عمله صيانة عندما تتوفر المواد اللازمة، لكن قبل فرض الحصار على المواد والمعدات البحرية، كان يصنع 3- 4 قوارب صيد وسياحة في الشهر الواحد.

وأضاف، أن عبوة "البولستر ريزن" تراوح ثمنها تحت وطأة الحصار بين 1200- 2000 شيقل، مشيرًا إلى أنه عندما تتوفر ألياف زجاجية يرتفع ثمنها، وعندما لا تتوفر الألياف، ينخفض ثمنها.

وفي وقت سابق، كانت تكلفة صناعة قارب صغير يعرف لدى الصيادين بـ (حسكة موتور)، تصل إلى 6 آلاف شيقل، لكن بسبب قلة وجود مواد التصنيع في السوق المحلي، جعل تكلفة صناعتها تصل إلى 25 ألف شيقلاً.

وكذلك بالنسبة لـ "حسكة المجداف"، وتبلغ تكلفتها 2000 شيقل في الوضع الطبيعي، وفي الظروف الاستثنائية التي أوجدها الحصار، وصلت التكلفة إلى 6 آلاف شيقل.

وكان مقداد، قد انتهى، مؤخرًا، من صناعة قارب سياحي، بتكلفة بلغت 120 ألف دولار، لأحد رجال الأعمال بغزة، واستغرقت صناعته 6 شهور.

ويتنقل مقداد على شاطئ قطاع غزة من شماله حتى جنوبه، لإنجاز مهام صيانة قوارب الصيد التي تتعرض للتلف، لكن صناعة الجديدة منها تتم في ورشته بميناء الصيادين.

وتوقع أن يؤدي انخفاض ثمن "البوليستر ريزن" و"الفيبر جلاس"، إلى الإقبال على صناعة قوارب جديدة بديلة للقوارب التالفة التي انتهى عمرها الافتراضي.

وهذا ما يؤكده رئيس لجان الصادين في اتحاد لجان العمل الزراعي زكريا بكر، حيث نبَّه في نفس الوقت إلى أن غزة لا زالت بحاجة إلى كميات كبيرة من مواد تصنيع القوارب بعد سنوات الحصار الطويلة.

ووصف لـ "فلسطين"، خطوة السماح باستيراد كميات قليلة من سائل "البوليستر ريزن" والفيبر جلاس"، بـ "المنقوصة والمشروطة"، وهي التفاف واضح على الحصار المفروض على الصيادين.

ونبَّه إلى أن الصيادين مثلما يحتاجون لهذه المواد، فهم أيضًا بحاجة ماسة إلى قطع غيار خاصة بمحركات القوارب، ومعدات صيد مختلفة يفقدوها منذ سنوات طويلة.

والآلية الجديدة التي تريد سلطات الاحتلال تطبيقها لإدخال هذه المواد عبر الأمم المتحدة، تبدأ من الصياد، حيث يتوجب عليه تقديم طلب لشراء البوليستر ريزن" و"الفيبر جلاس"، وهذا الطلب مرهون بموافقة الاحتلال أو رفضه.

وفي حال الموافقة، فإن عملية صيانة القوارب التي ستذهب إليها المواد الواردة، ستخضع لمراقبة شديدة.

اقرأ أيضا: عام 2020 الأسوأ في حياة الصيادين بغزة

ورجح بكر أن هذه الآلية ستسبب إشكاليات كبيرة لدى الصيادين، وتسائل: ما هي الضمانات التي تقدمها الأمم المتحدة بشأن استمرار إدخال كميات أخرى من نفس المواد؟

وطيلة سنوات الحصار، بررت سلطات الاحتلال منعها دخول "الفيبر جلاس" والبوليستر ريزن"، بحجة "ازدواجية الاستخدام" لأغراض عسكرية، وألحق هذا المنع أضرارًا كبيرة بقطاع الصيادين، وأفقد العديدين منهم مصدر رزقهم الوحيد.

ولا تتوقف معاناة الصيادين عند منع معدات التصنيع والصيانة، بل يمتد الأمر إلى التلاعب بالمساحات المسوح للصيادين الإبحار فيها، واعتقالهم وقتل بعضهم خلال ممارسة الصيد، ومصادرة أو تدمير قواربهم، إضافة إلى الحصار المشدد المفروض على قطع الغيار الخاصة بالمحركات والقوارب الكبيرة.

ويقدر عدد الصيادين قرابة 4500 صياد، تعرضوا لانتهاكات جسيمة، ارتكبتها بحرية الاحتلال وزوارقها التي تستبيح بحر غزة.