فلسطين أون لاين

خبر ولادة زوجته لم يصل إليه بعد

تقرير أحمد هريش.. معتقلٌ بزنازين "أريحا" يُحرَم فرحة احتضان مولوده الأول

...
الصحفي هريش وفي الإطار طفله الجديد
غزة/ يحيى اليعقوبي:

كل أبٍ في هذا العالم يتشوق للحظة وضع مولوده البكر بين ذراعيه، لسماع صرخة الحياة الأولى تنطلق كنغمة موسيقية من قطعةٍ منه، لترديد الأذان في أذنيه، لضمه وملامسة أصابعه ويديه الصغيرتين، وقبل ذلك مساندة زوجته في ألم المخاض، لكنّ المعتقل في زنازين العزل الانفرادي بسجون السلطة بمدينة "أريحا" منذ أربعة وسبعين يومًا أحمد هريش (28 عامًا) حرم فرحة ضم مولوده الأول "كرم" بين ذراعيه.

عاند "كرم" كثيرًا، وتأخرت ولادته، وكأنَّ الطفل أبى إلا أن ينزل بين ذراعي والده، طالبت العائلةُ كثيرًا الإفراج عن ابنها، فلا "يوجد سبب لاستمرار اعتقاله السياسي" تقول شقيقته أسماء، لكن كل محاولاتهم قوبلت بالرفض.

وضعت فاطمة "زوجة أحمد" مولودهما "كرم" فجر أمس، جميع أفراد العائلة أحاطوا بالرضيع، لم يغِب والده عن المشهد.

لحظاتٌ ثقيلة

استبدلت شقيقته أسماء القهر والحسرة بصوت الفرح، تقول لصحيفة "فلسطين": "هذه اللحظات ثقيلة علينا، منذ أربعة وسبعين يومًا لم نتوقع أن نعيش ظلمًا، يحرم أخي من فرحة استقبال مولوده الأول، وحتى اللحظة لم يعرف أنه صار أبًا، الجميع سمع صرخة ابنه الأولى إلا هو، الجميع اتصل بنا ليهنئنا وأخي لم يتصل، لأنّ أجهزة الأمن التي يفترض أنها من أبناء بلده تواصل اعتقاله".

تختلط مشاعرها وتتضارب، ويعتصر صوتها الحزن لحظة إطلاق الطفل كرم صرخته الأولى، وتقول: "أذكر أحمد عندما كنا نذهب لزيارة أبي في أثناء اعتقاله في سجون الاحتلال، وفي أثناء اعتقاله في سجون السلطة، كبرنا على إصابة أخي الأكبر محمد وتعذيبه وإصابة أخي الآخر محمود".

"أفكر ما هي التهمة التي تستدعي تغييب أحمد عن أجمل لحظة يرسمها أيّ أب بخياله، ماذا فعل؟ هل سرب عقارًا للاحتلال أو باع وطنًا؟ كانت اللحظة حلمًا بالنسبة إليه، لكنهم قتلوه، وفقد الأمل والشغف"، تتساءل بحرقة على شقيقها.

إنسانية ماتت

"إذا الإنسانية ماتت، فعلى الدنيا السلام".. وصلت أسماء إلى هذه الحقيقة، بعدما ناشدت العائلة أجهزة أمن السلطة، والنيابة، ومحافظ رام الله والبيرة، التدخل، لكن "لا حياة لمن تنادي"، ولم تتوقف الأمور هنا، تقول: "وضعت زوجة أخي مولودها منتصف الليل، وإلى الآن أبي يتصل بجهاز المخابرات يريد الحديث مع المدير، حتى نوصل خبر الولادة لأخي، لكنهم يماطلون ويُسوّفون الوقت".

بصوت يائس، تطالب المؤسسات الرسمية والحقوقية التدخل للإفراج عن شقيقها، مع أنّ هذه المطالبات لم تتوقف لحظة واحدة منذ اعتقاله.

في اللحظة التي تعيش فيها العائلة ولادة "كرم" تواصل جدته الإضراب عن الطعام لليوم الثاني على التوالي من أجل الإفراج عن ابنها المعتقل في زنازين سجن أريحا المعروف باسم "المسلخ".

أريحا المعروفة بارتفاع درجة الحرارة ونسبة الرطوبة فيها، يمارس مع أحمد كل أشكال التعذيب النفسي بعد تعذيبه جسديًّا وشبحه، ومنذ أربعة وسبعين يومًا تواصل السلطة اعتقاله بزنازين العزل الانفرادي، معزولًا عن العالم، وحيدًا.

في جلسة محاكمته الأخيرة سأل أحمد القاضي: "لماذا أنا معتقل؟"، فلم يتلقَّ إجابة، وهو ذات السؤال الذي يواصل فريق الدفاع البحث عن الإجابة نفسها لكنّ القاضي أجاب بتمديد الاعتقال لخمسة وأربعين يومًا، حتى المحامي يُمنع وتؤجَّل زيارته، بذرائع مختلفة، وهو ما يجعل اعتقاله أشبه بـ"الاعتقال الإداري" الذي يسلطه الاحتلال على رقاب الأسرى الفلسطينيين، حسب وصف شقيقته.

وكانت قوات الاحتلال اعتقلت أحمد هريش في 28 مايو/ أيار 2017 بعد دهم منزله وتفتيشه وتحطيم محتوياته، ونال حريته في سبتمبر/ أيلول 2020، وفي يناير/ كانون الثاني 2021 أعاد الاحتلال اعتقاله حتى أغسطس الماضي، ثم تزوج.