عشرون مرّت على معركة مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، التي تجلّت فيها كل معالم البطولة والصمود، حينما تصدى المجاهدون لعشرات الآليات الإسرائيلية وجنود الاحتلال آنذاك، ولا يزال ذاك المخيم يمثل "مصدر رعب" لكل حكومات الاحتلال المتعاقبة حتى هذا اليوم.
الثالث من ابريل/ نيسان عام 2002، كان مخيم جنين على موعد مع معركة كبيرة ضد جيش الاحتلال الذي اقتحمت آلياته تلك المساحة التي لا تتعدى مساحته نصف كيلو متر مربع قبل اقتحامه وتدميره، حيث شكلت واحدة من أبرز محطات الصمود والانتصار في التاريخ الفلسطيني المُعاصر، وهي تكاد تكون التجربة العسكرية الفريدة الأولى.
ومنذ ذلك التاريخ تواصل سلطات الاحتلال حربها ضد المخيم، لكن أبناء الأخير ما زالوا ثابتين وصامدين "بلا كلل أو ملل"، وكان آخرها الخميس الماضي، حينما اقتحم جنود الاحتلال المخيم في عملية وصفتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأنها "الأوسع خلال السنوات الأخيرة"، ما أدى لاندلاع مواجهات اسفرت عن استشهاد شابين وإصابة خمسة آخرين.
وفي تفاصيل العملية التي أطلق عليها الاحتلال "السور الواقي"، فقد فرض جيش الاحتلال طوقًا عسكريًا على المنطقة، واجتاح مدينة جنين، وطوّقت آلياته المخيم من جميع الجهات، مدعومة بالطائرات المروحية، وآلاف الجنود المشاة الذين كانوا يتهيئون للمعركة، في أرجاء المخيم الصغير بمساحته، الكبير بفعله وتأثيره.
وجاء حصار المخيم ضمن العملية التي نفذها رئيس وزراء الاحتلال آنذاك أرئيل شارون، عقب تصاعد انتفاضة الأقصى، حيث كان يدرك الاحتلال أن المخيم كـ "برميل بارود"، قد ينفجر في أي لحظة.
سمات المعركة
اجتاحت آليات الاحتلال المخيم بشكل واسع عقب رفض المقاومون تسليم أنفسهم والخروج من المخيم، وبعد فشل الاحتلال الذريع في تحقيق هدفه بتدمير روح المقاومة والصمود، توغلت الآليات العسكرية وسط المنازل وهدمتها على رؤوس أصحابها.
وتدخلت طائرات الاحتلال لدك المخيم، الذي يسكنه ما يقارب من 14 ألف لاجئ، لكن صمود المقاومين أرغم قيادة جيش الاحتلال على تبديل وحداتها المقاتلة ثلاث مرّات.
وأسفرت المعركة عن مقتل 29 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، واستشهاد 58 مواطنًا بينهم 23 مقاومًا، وهدم وتضرر نحو 1200 منزل، واعتقال العشرات، بينهم من لا يزال معتقلًا للآن، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد، وشردت حوالي 450 أسرة.
وعلّق القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في جنين أسامة الحروب، بقوله، إن "معركة جنين التي مضى عليها 20 عاماً، من أهم المعارك التي خاضها الشعب الفلسطيني في تاريخه المعاصر، من حيث المقاومة والمواجهة".
واستعرض الحروب خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، سمات عدّة ميزت تلك المعركة، أبرزها أنها أول معركة يخوضها الشعب الفلسطيني منذ احتلال الضفة عام 1967، من حيث أعداد المقاتلين والجيش والخسائر.
وأوضح أن السمة الثانية، هي وجود الوحدة الوطنية الميدانية بين جميع الفصائل والقوى الوطنية في مواجهة الاحتلال، فيما تجلت السمة الثالثة بالتحام المقاومة مع الجماهير، حيث تميزّت بالثبات والصمود.
وبيّن أن تلك المعركة تميزّت بوجود المد الإسلامي فيها، من حيث الصلابة والتخطيط والمجابهة، الأمر الذي أرّق الاحتلال في حينها.
واعتبر أن معركة جنين من المعارك المهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، كونها أول مواجهة تحدث بين الجماهير والاحتلال الإسرائيلي، رغم عدم وجود تكافئ القوة بينهما، "لكنها أثبتت ان الفلسطيني يقاوم ويقف في وجه الكيان، وتسجل مقاومته نقاط قوّة"، وفق قوله.
وأضاف "لا زلنا نعيش فصول المعركة وحدثها المستمر، كونها أوجدت حالة الردع وقوة المقاوم وحقه في امتلاك الإرادة رغم الإمكانيات التي يمتلكها".
مقاومة متنامية
ولا زال مخيم جنين يسطر أروع معاني البطولة والصمود في التصدي للاحتلال الذي يشن ضده حملات اقتحامات واعتقالات واسعة بشكل شبه يومي، رغم مرور 20 عاماً على المعركة.
ويقول الحروب، إن المقاومة في جنين تشهد وتيرة أعلى مما كانت عليه في السابق، بفضل الحاضنة الجماهيرية الداعمة للمقاومة والمجاهدين، مشيراً إلى أنهم استلهموا فكرة المقاومة من غزة، ولا زالوا يلقون العدو دروساً صعبة.
وتابع أن "العدو الصهيوني أضعف مما نتخيل، فنحن نمتلك من القوة التي تجعلنا نصنع في كل مدينة حالة ثورية وجهادية"، مشدداً على أن "المقاومة هي الطريق الأقصر لطرد الاحتلال عن كل أرض فلسطين".
وجدد التأكيد أن حالة المقاومة تتنامى بشكل أكبر يوماً بعد آخر، وهو ما يُؤرق الاحتلال ويزيد حالة القلق لديه، خاصة بعد فشل السلطة في عملية اجتثاث هذه الظاهرة رغم حملات الاعتقالات التي شنتها ضد المقاومة، خدمةً للاحتلال.
وأوضح الحروب، أن الاحتلال فشل فشلاً ذريعاً في قمع أو إخماد لهيب المقاومة بسبب قوة المقاومة والالتفاف الشعبي والجماهيري حول هذا الخيار، كسبيل للخلاص من هذا الاحتلال.
وختم حديثه "نحن أمام مستقبل ملون بالدم في الأيام القادمة، في ظل استمرار اجتياحات الاحتلال للمخيم، باصطحاب مئات الجنود والآليات".
تجدر الإشارة إلى أن معركة جنين التي خاضها المقاومون على مدار 15 يومًا ضد محاولة اقتحام المخيم من قبل قوات الاحتلال شكّلت أهمية كبيرة بما حملته من رمزية للمقاومة والاستبسال والوحدة في مواجهة المحتل الإسرائيلي، كونها أسست لمرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحدي المقاومة لأقوى جيش في المنطقة.