فلسطين أون لاين

​إن طُبِّق قرار منعه

المقدسيون لا يتخيلون مدينتهم بلا أذان

...
صورة تعبيرية
القدس المحتلة / غزة - فاطمة أبو حية

هي ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الاحتلال عن منع الأذان في القدس ومدن الداخل المحتل، ولكن الخطوات والتحركات هذه المرة يبدو أنها ستفضي إلى تطبيق القرار بشكل فعلي، وبعيدًا عن التوقعات والتحليلات.. كيف يتخيل المقدسيون مدينتهم المقدسة وهي تصبح وتمسي بلا نداء للصلاة؟.. التقرير التالي حاول أن يجمع الأجوبة على ألسنة سكان "زهرة المدائن".

خيط الأمل

المرابطة المبعدة عن الأقصى زينة عمرو تقول: "مما لا شك فيه أن الأذان له أهمية خاصة للمسلمين في كل أنحاء الأرض، لكونه يذكرنا بالصلاة، ويعطي طابعًا للمدن الإسلامية يميزها عن غيرها، ولكنه في القدس يتميز أكثر نظرًا لقدسية المدينة، ونحن هنا نعيش ببركة المدينة المقدسة، والأذان جزء من هذه البركة".

وتضيف لـ"فلسطين": "الاحتلال تجاوز كل الحدود في تهويد القدس، فعمل على تهويدها بالحفريات تحت الأرض، وفوق الأرض أحاط الأقصى بالكنس اليهودية، واليوم وصل بهم الأمر لمنع الأذان، في محاولة منهم لطمس ما تبقى من الدلالات الدينية على إسلامية المدينة".

وتتابع: "الشعارات اليهودية وأصوات المزامير لا تنقطع، وأحيانًا لا ننام بسببها ليالي طويلة، فهي جزء من طرق إضفاء الطابع اليهودي على زاوية في المدينة، وهذا يعني أننا سنسمع أبواقهم دون أذاننا"، مواصلة: "هذه الأبواق تقلق مضاجعنا، وتثير في نفوسنا الغضب والاشمئزاز، ولا نتخيل أن نفقد الأذان في ظل هذه الضوضاء".

وتوضح عمرو: "من يعيش في القدس يشعر بالمرارة في كل لحظة وكل حين، فنحن نتألم باستمرار بسبب الهدم والإبعاد والإقصاء والتهويد، ولا نتخيل كيف يمكن أن يضاف إلى هذه المعاناة عدم سماع الأذان يصدح في المدينة".

وفي حين منع الأذان بحجة الضوضاء التي يسببها، فإن الأبواق لن تتوقف رغم صوتها المرتفع، وإزعاجها المتواصل، والذي يصل إلى درجة عدم قدرة المشاركين في جلسات العلم في الأقصى على الاستماع لما يُقال بسببها، بحسب عمرو.

وتبين المرابطة المبعدة منذ نحو سنة وثلاثة أشهر: "تطرب المدينة المقدسة بالأذان خمس مرات يوميًا، فيشعر الممنوعون من دخول الأقصى بسعادة عندما يسمعون أذان الأقصى الذي يصلهم من خلال السماعات".

وتؤكد: "الأذان خيطٌ من الأمل بالنسبة للممنوعين من دخول الأقصى، ويخشون أن يفقدوا هذا الأمل المتبقي"، موضحة: "ما يواسيني في إبعادي، أنني أرى المسجد من بيتي، وأسمع صوت الأذان الصادر منه، هذا سر وجودنا وسر بقائنا، ولكنني الآن مهددة بفقدان هذا السبيل الوحيد للمواساة، فمنع الأذان يعني غياب الصوت، وكذلك غياب الصورة واردٌ بعدما استلمت أمرًا لهدم البيت في الأيام السابقة".

المدينة من دونه!

ومن جانبه، يقول المقدسي أكرم الشرفا لـ"فلسطين": "المقدسيون يرون أن مجرد التفكير في هذا القرار من الكيان الصهيوني هو عبارةٌ عن إعلان حرب على الله ورسوله والمسلمين جميعًا، وهو أحد المخططات الصهيونية المتطرفة لتهويد القدس خاصة وفلسطين عامة، وهو قرار عنصري بامتياز".

ويضيف: "استغل الكيان الوضع الفلسطيني المترهل، واللامبالاة العربية والإسلامية لما يحدث في القدس والمسجد الأقصى من عربدة وانتهاك يومي لحرمته لطرح مثل هذا القرار، فقد تعودنا أن الاحتلال يتعامل مع الفعل ورد الفعل، فهو لم يتجرأ على هذا القرار الخطير إلا بعدما درس جيدًا الوضع المحيط، وحدث سابقًا أنه حاول تمرير مثل هذا القرار على المدن الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، ولكنه تراجع بسبب رد الفعل الإيجابي من الأهالي".

ويتابع: "إذا تم تمرير هذا القرار وأصبح أمرًا واقعًا سيلحقه قرارات أصعب وأشد على القدس والأقصى، وستكون القرارات تهويدية قاسية تمس بعقيدتنا ومعتقداتنا".

ويؤكد الشرفا أن المقدسيين لا يتخيلون المدينة من دون الأذان مطلقًا، وإنما هم واثقون أن مآذن القدس ستبقى تصدع به مع كل صلاة دون انقطاع، مبينًا: "جوهر القرار يمنع استخدام المكبرات الخارجية للمساجد والاكتفاء بالسماعات الداخلية، وإن طبق القرار فسيكون كل مخالف له معرّضًا للمساءلة القانونية، وهذا معناه أن النداء للصلاة لن يُسمع، وهذا الشيء خارج عن نطاق استيعابنا، فمجرد التفكير به هو مساس لصلب عقيدتنا بشكل لا يتخيله العقل".

ويؤكد الشرفا على أن: "رد الفعل يجب ألّا يقتصر على أهل القدس والداخل الفلسطيني، لأن هذا الشأن شأن الأمة الإسلامية جمعاء، والرد على المساس بعقيدة المسلمين يجب أن يكون من كل مسلم".

المقدسي لن يسكت

ومن ناحيته، يبين الناطق باسم لجان المقاومة الشعبية هاني حلبية: "عندما أعلن نتنياهو عن قرار منع الأذان، خرج الناس إلى الشوارع يُكبّرون ردًا على القرار، وفي المناطق المحيطة بالقدس توجه جنود الاحتلال إلى المساجد ليخبروا أئمتها بمنع الأذان شفهيًا وليس بشكل مكتوب، وبعد يومين لم تلبث أن حدثت المواجهات قرب هذه المساجد".

ويرجع السبب في هذا التحرك العفوي إلى أن المواطن المقدسي لا يمكن أن يتقبل عدم رفع الأذان في مدينته، وأن يسكت عن هذا الأمر، بل سيقاوم رغم التوقعات بحدوث حملة اعتقالات لمواجهة أي تحرك مقدسي ضد القرار.

ويقول: "المقدسي مستعد لدفع ثمن اعتراضه على منع الأذان، وقد اتخذنا قرارًا في المقاومة الشعبية، حال تم تطبيق المنع، بأن ننصب السماعات في الطرقات وقرب المساجد وبالقرب من المستوطنات لنرفع من خلالها التكبيرات، والسماعات جاهزة حاليًا".

ويضيف: "المقدسيون مستاؤون جدًا من المنع، وهذا صعب جدًا عليهم، فقد اعتدنا أن الاحتلال يحرق البشر والشجر والحجر، ولكن لم نتوقع أن يصل الأمر إلى الأذان".

ويتابع: "نحن خُلقنا في هذه الأرض لندافع عن المقدسات، ومجبورون على الدفاع عنها دومًا، ولو كان السكوت موقفنا، سيفعل الاحتلال ما هو أكبر من ذلك"، مواصلًا: "تواصلنا مع عدد من الجهات التي نحتاج لوقوفها معنا، ولكن دون جدوى".