رغم غياب السبب الذي اتخذته السلطة في رام الله لإعلان حالة الطوارئ وهو تفشي جائحة "كورونا"، يستمر رئيس السلطة محمود عباس مطلع كل شهر بتمديد حالة الطوارئ شهرًا إضافيًا، ما يفسره مراقبون وخبراء بأنها محاولة لاستخدام الملف الصحي كذريعة لتحقيق أهداف سياسية وقمع الحريات.
وفي الخامس من مارس/آذار 2020، أعلن عباس حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية المحتلة لأول مرة لمواجهة فيروس كورونا، ويواصل تمديدها منذ ذلك الحين، رغم غياب السبب الذي اتخذته السلطة في البداية وهو تفشي الجائحة.
وأظهر التقرير اليومي الصادر عن وزارة الصحة برام الله، أمس، تراجع أعداد الإصابات بالفيروس في الضفة الغربية، إذ سجلت، أمس، 142 إصابة جديدة بـ"كورونا" و5 حالات وفاة.
تجاهل الأصوات القانونية
رئيس مؤسسة الحق لحقوق الإنسان شعوان جبارين، يقول: إن السلطة تكرر نفسها منذ اليوم الأول لإعلان حالة الطوارئ، ومنذ تلك اللحظة تتجاهل الأصوات القانونية المعارضة لتكرار تمديد حالة الطوارئ.
وعد جبارين في حديث لـ"فلسطين"، أن ما يتم هو تجاوز للقانون الأساسي، كما أن تطورات الحالة الصحية لا تحتاج إلى إعلان حالة الطوارئ، مشيراً إلى وجود قانون الصحة العامة الذي يُنظم الحالة الصحية.
وأوضح أن هناك حالات محددة –حسب القانون– يمكن بموجبها إعلان حالة الطوارئ، إذا كانت البلاد مهددة بكوارث بيئة وأعاصير أو حروب، مشددًا على أنه لمواجهة "كورونا" مطلوب إجراءات وخطوات بإمكان الحكومة ووزارة الصحة وجهاز الدفاع المدني القيام بها، والتي تتوفر في قانون الصحة العامة.
خرق للقانون
من جهته، عدّ مدير مؤسسة شمس لحقوق الإنسان عمر رحال، إعلان استمرار حالة الطوارئ خرقًا للقانون الأساسي الفلسطيني، إذ إن حالة الطوارئ يجب أن تتم بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي، وعليه "يتكرر الإعلان مطلع كل شهر دون سند دستوري".
ويقول رحال لصحيفة "فلسطين": "مع أن تمديد حالة الطوارئ هو موضوع قانوني بحت في شكله، فإنه يتم استخدامه لقمع الحريات والحقوق كما تمت مشاهدته بفض التجمعات والاحتجاجات وهذا من شأنه أن يؤدي لتغول السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى".
ويوافق رحال حديث جبارين في أن الحالة الصحية الأصل أن ينظمها قانون "الصحة العامة وقانون الدفاع المدني"، أما "التمديد بهذا الشكل فهو تعسف وإمعان في خرق القانون وتجاوز للقانون الأساسي"، كما يقول.
وأضاف: "أصبح لدينا شكوك أن التمديد بهذا الشكل من شأنه أن يؤدي للاستخدام المفرط للقوة من قبل الأمن لمواجهة المحتجين والتجمعات السلمية، لكون إعلان حالة الطوارئ يعطي السلطة صلاحية حظر التجمعات، ومن ثم فض التجمعات بالقوة"، لافتًا إلى أن الإعلان يمثل مدخلا للمزيد من الاعتداءات والانتهاكات الفردية.
علامات استفهام
من ناحيته، رأى الناشط السياسي والمجتمعي عيسى عمرو أن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة لمواجهة "كورونا"، كانت غير مجدية في التعامل مع الملف وغير مهنية، واصفًا إياها بالإجراءات "السيئة وغير المقبولة"، لكونها لم تعطِ المواطن أدنى حقوقه، كذلك لم يطور القطاع الصحي نفسه ولم يتخذ الإجراءات اللازمة، وكانت الإجراءات قائمة بعيدًا عن دراسة واقعية من قبل مختصين.
ويقول عمرو في حديثه لصحيفة "فلسطين" إن واقع الحريات ليس له علاقة بقانون الطوارئ، لكون الأجهزة الأمنية تقمع الحريات متى أرادت ذلك بغض النظر عن وجود قانون من عدمه، مستدركًا أن تمديد حالة الطوارئ يؤدي إلى المزيد من عدم احترام القانون واستمرار حالة الفلتان والفوضى والفساد بالضفة الغربية.
ولفت إلى أن غياب المجلس التشريعي الذي يعطل عمله رئيس السلطة محمود عباس، يجعل الأجهزة الأمنية تستمر في انتهاك القانون والدستور وتجاوز المجلس.