تشهد قرية برقة شمال غرب مدينة نابلس حالة من التوتر الأمني منذ أيام، إزاء اعتداءات المستوطنين المنظمة بحق أهالي القرية، التي دفعت أهالي القرى المحيطة للنفير والدفاع عن برقة.
وسارع الاحتلال قبل تطور الأوضاع الأمنية إلى إعلان منطقة "حومش" منطقة عسكرية مغلقة يحظر على المستوطنين الدخول إليها السبت الماضي، فقد كانوا يستعدون لتنظيم مسيرة ثانية، بعدما فشلوا في العودة إليها في المسيرة الأولى عقب تصدي أهالي برقة لهم، وأغلق الجيش جميع الطرقات المؤدية للقرية في محاولة لسحب فتيل اشتعال المواجهة.
ليست برقة فقط نقطة التَّماس، فبلدة بيتا جنوبي نابلس ودعت قبل أسبوعين الشهيد جميل أبو عياش (31 عاما) بعد إطلاق الاحتلال النار عليه خلال المسيرات الاحتجاجية التي ينظمها الأهالي، وهو سابع شهيد في القرية منذ بداية احتجاجات الأهالي السلمية الرافضة لإجراءات الاحتلال بمصادرة أراضيهم ودفاعا عن جبل صبيح.
وكشف الصحفي الإسرائيلي بن كسبيت، أن وزير الجيش بيني غانتس سيسمح بالاستيطان في البؤرة الاستيطانية "جفعات ابيتار" المقامة على أراضي بيتا، علما أنه أصدر قرارًا في شهر حزيران الماضي، بإخلاء البؤرة، ما ينذر بموجة مواجهة، فضلا عن وجود مناطق أخرى فجرت الأوضاع في وقت سابق وما زالت مهددة بالتهجير كحي الشيخ جراح والخان الأحمر وقرى عديدة بمنطقة الأغوار.
اللافت فيما يجري بالضفة هو الدور الواضح للمستوطنين بشن اعتداءات واسعة بمناطق مختلفة، توفر لها قوات الاحتلال أشكال الحماية والإسناد، في المقابل يواجه أبناء شعبنا تلك الاعتداءات بمقاومة شعبية قد يدفع تصاعدها لتطور الأوضاع.
حافة الانفجار
يقرأ مدير مركز "يبوس" للدراسات سليمان بشارات، الحالة الميدانية في الضفة الغربية من عدة منطلقات، أبرزها: استهداف الاحتلال المباشر لأبناء شعبنا من عمليات هدم واقتحام يومية لمدن ومحافظات الضفة الغربية واستمرار مخططات الاستيطان ومصادرة الأراضي.
وأوضح بشارات لصحيفة "فلسطين"، أن الجماعات الاستيطانية والمستوطنين أصبح لهم فعل إجرامي على الأرض، حتى أنها باتت تخلق حالة من الخوف للمواطن الفلسطيني، في المقابل من الناحية الداخلية الفلسطينية هناك حالة عدم استقرار سياسي داخلي في أعقاب إلغاء الانتخابات وانغلاق الأفق السياسي.
وأضاف أن المواطن الفلسطيني إضافة لانغلاق الأفق السياسي والاقتصادي، بات يشعر بوجود سلطة غير قادرة على حمايته أمام ممارسات الاحتلال وجرائم المستوطنين، فضلا عن حالة الضعف في دورها السياسي.
ويعتقد أن الضفة الغربية على حافة انفجار، تترجم ربما في بعض المناطق سواء فيما يجري بيتا، برقة، وما جرى سابقا في الشيخ جراح والقدس، وأن هذا الأمور تعد مؤشرات لاحتمالية انفجار مستقبلي.
واستدرك: "ربما الظروف الموضوعية حتى هذه اللحظة لا تسمح بشكل كامل ببلورة الانفجار، لكن استمرار الحالة الفلسطينية سيعزز من الاحتقان الذي قد يصل لإشعال فتيل المواجهة".
وتابع: إن استمرت اعتداءات المستوطنين، فسيخرج الأمر عن نطاق المفهوم التنظيمي إلى المفهوم الشعبي، وستتدحرج بداية من البلدات المحاذية للمستوطنات، لكنها قد لا تصل للمواجهة المفتوحة بالمعنى الشمولي.
ورجح بشارات أن تشهد الحالة الفلسطينية في الأشهر المقبلة توترًا بين الفلسطينيين ومجموعات المستوطنين، إضافة لتصاعد عمليات المقاومة الفردية كما حدث في انتفاضة القدس مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2015م.
حالة خارجة السيطرة
ورغم ذلك، رأى بشارات أن الاحتلال غير معني بمواجهة مفتوحة، ويحاول إبقاء الحالة ضمن السيطرة وهو واضح بشكل سريع عندما منع المستوطنين من إقامة البؤرة في منطقة "حومش" ومن ثم سحب فتيل الانفجار، فلا يريد تكرار سيناريوهات بيتا وحي الشيخ جراح.
وأشارت إلى ضعف أجهزة أمن السلطة التي باتت غير قادرة على حماية المواطنين لوجود إشكالية بمفهوم "العقيدة الأمنية" لكونها تخضع لرقابة وتدخلات أمريكية.
ومن وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، فإن مشروع السلطة الذي لم يتقدم خطوة للأمام وفي تراجع مستمر منذ أكثر من 25 عاما، يراد "له أن يكون تأبيدًا لمرحلة الحكم الذاتي".
وقال عساف لصحيفة "فلسطين" إن استمرار هذه المرحلة والحالة التي تمر بها السلطة يعني أن المشروع السياسي للسلطة قد فشل، وأصبح مفيدا للاحتلال الذي يسعى لاستمراره.
ورأى أنه في الوقت الذي يوفر الاحتلال غطاء لكل جرائم المستوطنين، في المقابل تكتفي السلطة بالشجب والاستنكار دون إسناد أبناء شعبها، وتعزيز صموده.
وأشار عساف إلى أن ممارسات واعتداءات المستوطنين خلال الاسابيع الأخيرة من قتل وقطع طرق وجرائم مستمرة تجعل الأوضاع مفتوحة على كل الأصعدة.