يبحث العدو الإسرائيلي الآن أكثر "الخيارات حسمًا" لوقف العمليات في الضفة الغربية وخصوصًا التي تنطلق من خلال خلايا منظمة قد يكون لها ارتباط بفصائل المقاومة، وفي سبيل ذلك يحاول إرسال رسائل تهديد بأن استمرار هذه العمليات سيؤدي لعودة سياسات الاغتيالات في صفوف القيادات السياسية والعسكرية لفصائل المقاومة متهمًا قيادات من القطاع ومن الخارج بالوقوف خلف هذه الهجمات، وهذا نتيجة فشله الأمني والاستخباري الذريع في وقف العمليات على الرغم من سيطرته الكاملة على الضفة ووجود خطوط ساخنة لتبادل المعلومات من خلال التنسيق الأمني مع السلطة، الأمر الذي يدفعه للتغطية على هذا الفشل بالهرب إلى الأمام والتلويح مجددًا بعودة سياسة الاغتيالات.
لكنه يدرك تماما أن قرار عودة الاغتيالات في صفوف قيادات المقاومة له كلفة عالية ربما تؤدي لردود كبيرة وقاسية من المقاومة وقد تدفع الفصائل لفتح مواجهة غير مسبوقة مع العدو الإسرائيلي، فإذا ما أراد اتخاذ قرار بالاغتيال فإن عليه الاستعداد جيدًا لدفع الثمن؛ لأنه لا يمكن بحال تمرير هذه السياسة في ظل امتلاك المقاومة لكل إمكانات الردع، لذلك فإن الرغبة الإسرائيلية حاضرة وقد يكون الخيار تمت مناقشته مطولًا لدى الدوائر الإسرائيلية المختلفة لكن لا أحد يجرؤ على اتخاذ القرار لأنه سيكون مسؤولًا عن تبعاته.
لأن الإقدام على اغتيال أحد قيادات المقاومة لن يوقف العمليات في الضفة ولن يؤدي لتحقيق الهدوء ويمكن أن يشكل حافزًا لزيادة وتيرة العمليات، هذا إضافة لما سيخلقه من تعقيدات أمنية وتطورات خطيرة على الجبهة الداخلية التي ستكون هدفًا لردود مباشرة من فصائل المقاومة التي تعد أن عودة الاغتيالات بمنزلة (إعلان حرب) سيفرض فتح مواجهة شاملة، ومن ثم فإن هناك كوابح أمام صانع القرار داخل كيان العدو تجعله مترددًا في اتخاذ هذا القرار في ظل رغبة العدو الإسرائيلي تحقيق الهدوء في القطاع ومنع اندلاع جولة جديدة من القتال قد لا يكون قادرًا على الخروج منها بنتائج ملموسة يمكن تسويقها لجمهوره.
لذلك في الوقت الراهن قد يكتفي بإرسال الرسائل الساخنة للمقاومة والتلويح بعودة هذه السياسة من خلال الوسطاء ووسائل الإعلام وفي اللقاءات الداخلية لتحقيق عدة أهداف منها: 1- إرضاء جمهوره الداخلي وتطمينهم بأن هناك خيارات مهمة يمكن اتخاذها ضد نشطاء المنظمات الفلسطينية، 2- تهديد وإنذار قيادات وكوادر المقاومة بأنكم ستدفعون الثمن نتيجة استمرار العمليات في الضفة، 3- تعبئة الرأي العام الإسرائيلي والعربي والدولي بأنه ربما يقدم على عمليات اغتيال قريبًا لمنع وقوع هجمات ضد الأهداف الإسرائيلية.
وهذا لا يعني أن عودة سياسة الاغتيالات أصبحت من الماضي لأن هناك ظروفا موضوعية قد تتوفر وتشكل دافعا للعدو الإسرائيلي للمصادقة عليها مجددا وتتمثل في: 1- وقوع عملية تؤدي لخسائر بشرية كبيرة في الجنود أو المستوطنين، 2- أن تكون هناك بصمات واضحة وارتباط مباشر بين العملية وفصائل المقاومة، 3- توفر ضوء أخضر عربي لتصفية قيادات من المقاومة، 4- توفر دعم أمريكي وموافقة على عودة سياسة الاغتيالات في صفوف المقاومة، 5- أن يكون المناخ الإسرائيلي الداخلي متهيئا وجاهزا لهذه القرارات سياسيا وعسكريا.
ولا أظن أن هذه المعطيات غائبة عن قيادات المقاومة والتي لن تكون متفاجئة من أي سلوك عدواني إسرائيلي، وهذا ما يفسر الاحتياطات الأمنية التي تتخذها قيادات المقاومة في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية الأخيرة، لكنها في ذات الوقت تتجهز جيدا للتعامل مع هذه المعطيات والتطورات الخطيرة في إطار تدفيع العدو ثمنا موجعا حال أقدم على أي حماقة من هذا النوع حتى يتوقف وبشكل فوري عن فرض هذه السياسة التي ستجلب له مزيدا من الخراب والدمار والتهديد ولن يستطيع من خلالها تحقيق أي مكاسب سياسية وميدانية، وسيكون مرغما على استجداء الهدوء عبر الوسطاء الإقليميين والدوليين بعد استنفاد كل خياراته.