فلسطين أون لاين

تقرير "كافي الخانم" مقهى بعمر 150 عامًا في نابلس القديمة

...
منيا الأشقر (أرشيف)
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

بين أزقة نابلس القديمة في حارة الغرب تحديدًا، رائحة القهوة التي تصنعها منيا الأشقر تأخذك نحو "كافي الخانم" المفعم بعبق التاريخ، يجعلك تعيش الحياة قبل 100 عام، فأينما تدور بناظريك تكتشف آثار فلسطين القديمة، الهاون، والغربال، وبابور الكاز، والسراج.

تجلس على كراسي وطاولات خشبية تفوق عمر صاحبتها، الطعام تقدمه لك على صواني نحاسية ورثتها الأشقر عن والدتها التي علمتها صنع الأطباق الشعبية على أصولها، فهي ملكة "الكرشات والفوارغ، والرؤوس"، ويطيب المفتول والشيشبرك من تحت يديها. 

بعد أن أنهكتها الوظيفة، شعرت أنها أتمت رسالتها في سلك التعليم معلمة للغة عربية، فقررت الأشقر (60 عاما) أن تبحث عن عمل تجد متعتها وشغفها الكبير فيه، فاتجهت نحو الطبخ، فأقامت مطعم "بيت جدتي" للأكلات التراثية، وتبيعها لزبائنها في البيوت.

وقبل عام فكرت بأن تتجه نحو تحويل بيتها القديم الذي يبلغ عمر 150 عاما في البلدة القديمة بمدينة نابلس إلى مقهى "الخانم" والذي يعني السيدة الأنيقة اللبقة.

لا تتعدى مساحة المقهى 80 مترا، تتجاور فيه بضع كراسي تم كسوتها بقماش مطرز بالغزل الفلسطينية، في حين احتضنت الجدران التي أسقط عليها إضاءة صفراء سلال من القش وبعض الأدوات التراثية.

تقول الأشقر لـ"فلسطين": "الطابق الأرضي حيث المقهى حاليًّا كان عبارة عن مخزن خشب، بدأت بإصلاحه وترميمه، ففي عام 1927 ضربت فلسطين هزة أرضية فدمر جزء من البيت، ووضع الردم في هذا الطابق، فقمت بالتخلص منه وأحدثت تغييرات طفيفة".

تتابع: "قمت بإصلاح طاولات وكراسي قديمة ورثتها عن والدي، وصرت أستقبل الزوار من طلبة الجامعات، والمدارس، وزوار البلدة القديمة أيضا".

في غرفة الجلسة العربية بـ"كافي الخانم" وضعت الآثار القديمة، كالمذياع الذي يصل عمره 70 عاما، والشمعدان، والقدور النحاسية، وطاسة الرجفة، وطاسة الحمام، والمكاوي التي كان يتم تسخينها على بابور الكاز، وصحون وأوانٍ من الفضة والنحاس.

وفي الغرفة الثانية وضعت الأشقر مكتبة صغيرة بها قصص ثقافية، وطاولة الزهر التي تعود لوالدها، وأخرى للشطرنج، ولعبة السلم والحية، وجيتار قديم كان أخوها يدندن عليها قبل 45 عاما، وفي الخلفية زينت الحائط بسجادة كانت توضع وراء كراسي العروسين يوم العرس الفلسطيني قديما.

وفي الطابق الثاني للمقهى، يقع بيتها الذي تصنع به الأكلات بمساعدة شقيقتها، حيث تبدأ بتحضير أطباق الإفطار من الفول، والحمص، والفلافل، والمسبحة، والعجة، والبابا غنوج، والشكشوكة، واللبنة، والبطاطس بالبيض، واللبنة والزيتون حيث تصنعهما بيدها في البيت، والعصائر الطازجة، في ساعات الصباح الباكر، حيث تبدأ المقهى باستقبال رواده عند الساعة 9 صباحا.

والأشقر لاجئة يافوية تجمع في الطهي بين النفسين اليافاوي والنابلسي كما يشيع القول شعبيًا، تقول: "أصنع كل الأطباق التقليدية المسخن، والكبة، وحراق بإصبعو، والجزر الأحمر، والمطفية "قرنبيط بحبات الحمص واللبن"، والشيشبرك، والمقلوبة، وكل الحلويات القديمة أيضا".

وتتابع: "تفاجأت قبل أيام برجل مقدسي وزوجته يقصدان المقهى، قد سمعا عن الطعام الذي أعده وأشاد أحدهم بطعمه المميز وطلبا مني تذوقه، مثل هذه الإطراءات تسعدني وتنسيني تعب اليوم كله".

ولدى سؤالها كيف تحافظ على المذاق التقليدي في الأكل، تجيب: "أطبخ بالطريقة التقليدية فلا أستخدم حلة الضغط، رغم أنني في بعض الأحيان أطبخ لأكثر من 76 فردا في يوم واحد".

ويستقبل "كافي الخانم" زبائنه على مدار الأسبوع، وهو مخصص للسيدات والعائلات فقط، حيث يتمتعن بجلسة هادئة بها دفء البيوت القديمة وأجوائها.

وتلفت الأشقر أن الزبائن يقصدون المقهى من كافة مدن الضفة الغربية، والقدس، والداخل الفلسطيني المحتل، فالحنين يأخذهم إلى تناول الأكلات التقليدية القديمة سيما أكلة "رؤوس الخراف، والفوارغ، والكرشات".