فلسطين أون لاين

تقرير "أم الخير".. قرية خليلية تخوض صراع وجود بلا مقومات

...
الخليل–غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

مع إشراقة شمس كل يوم يأخذ معتصم الهذالين (33 عامًا) بعضًا من الوقت ليتأكد أنه ما زال في منزله في قرية "أم الخير" ولم يطرده الاحتلال الإسرائيلي منها بعد. وعلى الرغم من أنه وجيرانه يعيشون حياة بدائية إذ يحرمهم الاحتلال من كل الخدمات، فإنهم مصممون على الصمود في أراضيهم حتى الرمق الأخير وعدم تكرار سيناريو تهجيرهم في "نكبة 48م".

فالقرية الواقعة شرق مدينة يطا جنوب مدينة الخليل تبلغ مساحتها حاليًّا ألف دونم، "واشتراها أجدادنا بعدما هُجِّروا من منطقة "تل عراد" في بئر السبع المحتلة قبل 73 عامًا، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعيش هنا ونرعى مواشينا في الأراضي المحيطة بالقرية التي تبلغ مساحتها 6000 دونم بين أراضٍ زراعية وجبال"، يقول الهذالين لـ"فلسطين".

وابتلع الاستيطان الإسرائيلي الأراضي المحيطة بعشيرة الهذالين وصادرها بدعوى عدم وجود ملاكها، "ولم يبقَ سوى قرابة 300 شخص من عشيرة الهذالين البدوية نعيش في المنطقة، ولكن محاصرون بالاستيطان من كل حدبٍ وصوب".

ويصف الهذالين الحياة في القرية بأنها "صراع يومي" يخوضه سكانها في ظل حرمان الاحتلال لها من كل مقومات الحياة، "فلكوننا نرفض ترك أرضنا المصنفة ضمن المناطق (ج) للمستوطنين والذهاب لأراضي السلطة الفلسطينية، ولاستمرار الاحتكاك بيننا وبين المستوطنين صنفنا الاحتلال منطقة خطيرة أمنيًّا، ويمنعنا من العمل داخل الأراضي المحتلة، وفي الوقت ذاته من العمل في أراضي السلطة إلا إذا تركنا المنطقة للأبد".

وهذا يجعل رعي الأغنام المهنة الوحيدة التي يعتاش منها أهل القرية، لكن الاحتلال بمصادرته الأراضي المحيطة بهم جعل من هذه المهنة أمرًا بالغ الصعوبة، "فبمجرد أن يرى أي مستوطن على الجبال المجاورة ماشية أحدنا في المراعي المجاورة لنا يستدعي قوات جيش الاحتلال التي تفرض عليه غرامات باهظة".

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الحصول على الماء للاستعمالات اليومية أمر مكلفٌ جدًّا من الناحية المادية، "فما بالك إذا كان جلبُ مياه لشرب المواشي لسقيها كل ثلاثة أيام مرة يكلفني ألف شيقل؟".

طابون أم الخير

وتواجه القرية الصغيرة دعوى قضائية تقدم بها أحد مستوطني مستوطنة "كرمئيل" الملاصقة للقرية، وذلك بسبب الطابون الذي تعتاش منه العائلة. وهو يطالب العشيرة بدفع 320 ألف شيقل تعويضًا عن الأذى الذي تعرَّض له بسبب "دخان الطابون"، كما يدعي.

والطابون هو فرن لخبز العجين، شائع في القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، مصنوع من الطين، ووقوده من روث الحيوانات.

ويذكر الهذالين أن قضية الطابون بدأت في عام 2008 عندما سكن المستوطن جولدشتاين مستوطنة "كرمئيل" المقامة على أراضي القرية. بدأ يتذمر من رائحة الطابون، وقد عمد في أكثر من مرة إلى سكب الماء عليه ليلًا لإطفائه.

ويلفت إلى أن جميع محاولات المستوطن باءت بالفشل بسبب تمسك العائلة بمكان صنع الخبز الوحيد في القرية، ما دفعه إلى تقديم شكاوى إلى الشرطة وجيش الاحتلال وما تسمى الإدارة المدنيّة. 

دون مياه أو كهرباء

والقرية محرومة من المياه، إذ يمنع الاحتلال اشتراكها في خطوط المياه الإسرائيلية في حين لا توجد للسلطة أي صلاحيات تمكنها من تزويد السكان بالمياه، ما يضطرهم لشرائها بأثمان مرتفعة من موزعين من قرى مجاورة "المتر المكعب من الماء يكلف مئة شيقل".

وإضافة لذلك، يبين الهذالين أن أهالي القرية محرومون من "الكهرباء" سوى من خلايا شمسية يوفرها بدعم من الاتحاد الأوروبي توفر لهم الكهرباء صيفًا، ويعيشون في ظلام نسبي في الشتاء بسبب قلة سطوع الشمس، "حتى الطرق التي يعبدها الداعمون الأوروبيون أو أي محاولة لمد شبكات مياه فإن الاحتلال يقوم بتخريبها وتجريفها".

ومع تكرار عمليات الهدم في المكان فإن الهذالين كغيره من سكان القرية يُصاب بالذعر كلما رأى جرافة إسرائيلية وعربة عسكرية لجيش الاحتلال تتجولان في المنطقة، "حينها تتملكني الخشية من أنْ يتم هدم بيتي أو بيت أحدٍ من جيراني، فضباط" الإدارة المدنية للاحتلال" يتجولون في المنطقة ويهدمون ما يريدون من بيوت أو منشآت".

والهدم المتكرر للبيوت جعل أهالي القرية يحجمون عن البناء ويكتفون بالعيش في بيوتهم القديمة أو "بركسات" ما يجعل مسألة زواج الشباب أمرًا يحسب لها ألف حساب، "هذا عدا عن الوضع النفسي الصعب الذي نحياه، ففي أي لحظة نحن معرضون لأن نكون في العراء وكل هجمة على المنطقة تشعرنا بالقلق والخطر، على الرغم من ذلك فكلنا صامدون من أصغر طفل لأكبر شيخ".

وضمن المعاناة اليومية تواجه القرية الاعتقالات المتكررة ومصادرة السيارات والمخالفات الباهظة التي تنزل كالمطر على رؤوسهم مقابل أي شيءٍ يزعج أي مستوطن في المنطقة، "وحتى الذهاب للمدارس فهو معاناة مريرة لأطفال القرية حيث تبعد المدرسة عنهم قرابة أربعة كيلومترات ما يجعل هناك خشية من اعتداءات مستوطني "كرمئيل" عليهم.

ويمضي إلى القول إن أهل القرية يدفعون ثمن صمودهم من راحتهم وأعصابهم، فالقلق يساورهم ليلًا ونهارًا خشية أن يفقدوا بيوتهم، في ظل استفراد الاحتلال بهم دون أي داعم فلسطيني أو عربي أو دولي، لافتًا إلى أن الاحتلال منح الجبال المحيطة بالعشيرة لمستوطني "شبيبة التلال" المتطرفين الذين يطلقون الرصاص الحي على أي راعٍ يلمحونه، "ويرسل لنا في كل يوم رسالة بأنه من الممنوع أن نبقى هنا وأن علينا الرحيل، لكننا صامدون مهما فعلوا".