تزامنت مناورة "درع القدس" التي نفذتها أمس كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، مع مرور الذكرى الرابعة والثلاثين على انطلاقة الحركة، لترسل حماس رسائل للعالم، وفق مراقبين، ولحاضنتها الشعبية عن تعاظم قدراتها العسكرية التي تطورت بعدما بدأت بالحجر والسكين والمقلاع إبان انطلاق انتفاضة الحجارة ووصلت لقوات عسكرية ووحدات قتالية ومنظومة صاروخية ألجمت الاحتلال الإسرائيلي في مواجهات عديدة.
طبيعة المناورة القتالية، التي تتشارك فيها وحدات مختلفة من كتائب القسام، تحاكي سيناريوهات دفاعية وهجومية، لكن في طياتها تجسد الأهداف الإستراتيجية لحركة حماس لترسيخ القضايا الوطنية وتقديم نفسها على أنها "درع حقيقي للقدس"، وممثل للمشروع الوطني الفلسطيني، وهي معادلة فرضتها الحركة بمعركة "سيف القدس" خلال التصدي للعدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/ أيار الماضي.
رسائل وأبعاد
وتحمل المناورات بعدين مهمين من حيث التوقيت، الأول على الصعيد الميداني، وهو تعزيز سياسة التيقظ من أي عدوان مفاجئ مع تزايد أعداد المناورات العسكرية التي يجريها جيش الاحتلال وتنوع أشكالها، وعلى صعيد انتهاكات الاحتلال بمدينة القدس تريد إيصال رسائل للاحتلال أن تهديد القائد العام للقسام محمد الضيف قائم، وأن العبث بالمدينة المقدسة لن يكون مضمون النتائج. حسب المختص في شؤون المقاومة محمد حسونة.
وقال حسونة لصحيفة "فلسطين": إن البعد الثاني يتمثل بالتعامل مع سيناريوهات قتالية تحاكي أسر جنود إسرائيليين وكيفية التعامل معهم وتأمينهم، وهذا يحمل رسائل واضحة أن ملف الأسرى حاضر بقوة على طاولة القيادة بالتخطيط والتدريب وإمكانية التنفيذ، وأنه غير مستبعد أن تبادر بتنفيذ عمليات أسر جنود ما دامت الظروف مناسبة لذلك.
ورأى أن القسام تؤكد خطاب رئيس المكتب السياسي للحركة حول الخطوط الحمراء في ملف التفاوض حول الأسرى، على قاعدة "أسرى مقابل أسرى"، وأن سياسة الحصار وإعاقة الإعمار لن تجدي نفعًا، وربما تكون سببًا في إشعال المنطقة من جديد.
ينظر الاحتلال للمناورة، وفقًا لحسونة، على أنها تشكل مسرحًا تدريبيًا خطيرًا للمقاومة، تتضمن إجراء تجارب صاروخية جديدة وتجارب قتالية تعزز من قدرات المقاومة القتالية بمشاركة جميع وحداتها العسكرية.
استثمار وسائل قتالية
الخبير العسكري رامي أبو زبيدة، يوافق رأي حسونة، مؤكدًا أن المناورة تحمل رسائل أخرى للحاضنة الشعبية والقدرة على إيلام الاحتلال وكل من يفكر بالتعدي على الشعب الفلسطيني، مبينا أن المناورة عمل دفاعي تنفذه المقاومة لاستثمار كل الوسائل القتالية لديها للتصدي للاحتلال ومحاكاة كل السيناريوهات المتوقعة للمواجهة.
يفسر أبو زبيدة في حديثه مع صحيفة "فلسطين" أن إطلاق اسم "درع القدس" على المناورة لتأكيد المعادلة التي فرضتها المقاومة بمعركة "سيف القدس" بأنه لا يمكن عزل المدينة المقدسة عن باقي المناطق الفلسطينية وأنها تحت حماية المقاومة.
والمناورة ليست الأولى التي تجريها المقاومة، ففي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2020م، أجرت الغرفة المشتركة للمقاومة مناورة "الركن الشديد" بمشاركة 12 فصيلاً عسكرياً في سابقة هي الأولى من نوعها منذ عقود، رغم التجارب السابقة في تنفيذ العمليات المشتركة خلال سنوات الانتفاضة.
ورأى أبو زبيدة، أن المناورة الأخيرة وكل المناورات للقسام سواء المعلنة وغير المعلنة، تهدف للاستعداد العسكري وتنسيق الجهوزية وتنمية الاحتراف العسكري للمقاتلين عبر تدريبات وخطط وتجارب واقعية.
مراقبة الاحتلال
وعن نظرة الاحتلال للمناورة، يعتقد أن الاحتلال لا يكف عن متابعة ما يجري بغزة من خلال طائرات الاستطلاع، وسيراقب من كثب وبشكل جيد المناورة ليعرف مدى استعداد المقاومة وإمكانياتها وكفاءة المقاتلين، ومستوى التطور الذي وصلت إليه.
وتأتي مناورات القسام في وقت يُجري فيه الاحتلال مناورات مكثفة، ففي 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أطلق الاحتلال مناورة استمرت شهرًا كاملا، لاختبار جهوزية قواته للانتقال سريعًا إلى حالة حرب في جبهات متعددة، وشملت كل أذرع الجيش.
وكان من اللافت أن جيش الاحتلال قد كثف من مناوراته خلال نوفمبر بإجراء ثلاث مناورات، بعضها امتدت أسبوعًا، وكذلك شارك في مناورات جوية مع 7 دول أجنبية بينها الولايات المتحدة.
أبو زبيدة، رأى كذلك أن استعدادات الاحتلال القتالية باتت مكشوفة أمام المقاومة، وهي توجه إليه بمناورة "درع القدس" رسائل ردع، أنها جاهزة وحاضرة لإجباره للرضوخ للمقاومة خاصة فيما يتعلق بالعمل الإنساني.
وليس شرطًا أن تشير المناورات لمواجهة عسكرية قريبة بين المقاومة والاحتلال، بقدر توجيه المقاومة رسائل للاحتلال أنها باتت أقوى من أي وقت مضى وأكثر جهوزية للتصدي لأي عدوان، بحسب أبو زبيدة.