قائمة الموقع

المناظرات الشبابية.. مواجهة ممنهجة لتعزيز ثقافة تقبُّل الآخر

2021-12-16T09:04:00+02:00

تعد المناظرات شكلا من أشكال المواجهة الممنهجة القائمة على خطاب نقدي مسنود بالحجة بشأن قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية. وفي السنوات الثماني الماضية خاض طلبة الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة دوري مناظرات فلسطين، فإلى أي مدى يمكن لهذا الشكل من المسابقات أن يعزز قبول الآخر، ويسهم في تأهيل الشباب للعمل النقابي والسياسي.

تقول طالبة الإعلام في جامعة الأقصى صبا أبو عمرة، التي كانت ضمن المشاركين في الدوري، إن المناظرات جعلتها تكتشف ذاتها مرة أخرى وتتعرف على قدرات، "ربما لم أكن لأنقب عنها، إذ أظهرت على منصة المناظرة ما يجب أن يكون".

وتضيف: "أدت المناظرات دورًا كبيرًا في تطوير شخصيتها وقدرتها على الحديث أمام الجمهور بالحجة والأدلة من أجل إقناع الخصم، "ورغم أنها لم تحصل على اللقب هذه السنة، إلا أن لحظة إعلانها كأفضل مناظرة خفف عليها حسرة الخسارة".

وترى أبو عمرة في التعرف على مبدأ المناظرات وماهيتها وأساليبها وأدوار المناظرين وخطوات بناء الحجج أهم ما تحصلت عليه، مشيرة إلى أن المناظرة أسلوب خطابي يعين على قبول الآخر، "فأنت إما أن تقنعني بحجتك وإما أبطلها بالحجة أنا، فمسألة قبول الفكرة المخالفة هو أصعب ما نواجهه في مجتمعنا، وتكون المهمة أصعب إذا كانت المقولة صحيحة ولا تقبل المعارضة أو الموالاة".

وتكمل قائلة: "حينها عليك أن تلغي كل ما يتعلق بشخصك وتتجرد من ذاتك وتستحضر موقف المقولة فقط، وهنا الذكاء في أن تلعبها بشكل صحيح، وتكون بارد الأعصاب حتى تثبت في المنطق وعكس كلام زميلك الخصم".

قضايا تلامس الواقع

في حين يقول محمد حمد (22 عامًا)، طالب العلوم السياسة والإعلام بالجامعة الإسلامية إن قضايا المناظرات لامست هذا العام قضايا مهمة في مجتمعنا، مِثل: العنف ضد المرأة، واستغلال الشباب تحت مسمّى التطوع، وهجرة الشباب، ودور الحركات الطلابية الفلسطينية.

وتوجهت الإسلامية بدوري مناظرات عام 2021 الذي تنظمه مؤسسة فلسطينيات، في حين حصل حمد على لقب أفضل مناظر.

ويرى أن أهمية المناظرات تكمن في تمثيلها مساحة للشباب لإثبات فاعليتهم وقدرتهم على التأثير، "ففي المجتمع الفلسطيني التمثيل السياسي للشباب ضعيف إلى جانب نُدرتهم في مناصب إحداث التغيير".

ويضيف حمد: "من تجربتي أدركت بشكل تفصيلي القضايا المهمة المعاصرة في المجتمع الفلسطيني، وكيفية الدفاع عنها، أخذًا بواقع المجتمع لمكان أفضل، بحيث يكون النقاش بالحجة أسلوب حياة".

ويقول إن المناظرات ساعدته على الثبات على الموقف والدفاع عنه بكل الطرق الممكنة، ما دام مؤمنًا بأنه على صواب، ومعرفة كيفية الوصول إلى موقف وسطي إذا كان لمصلحة القضية محل النقاش، أو توضيح ثغرات أسلوب الخصم في التفكير وسدّها إن لم تكن في صالح القضية، والتحدث بطريقةٍ واعية أكثر، ورؤية القضية من مُختلف الجوانب، وليس من جانب واحد.

وشكلت المناظرات "تجربة رائعة" لحمد، وفق تعبيره، في توجيهه والشباب في البحث المعمّق والتحليل والتفكير النقدي لواقع الشعب الفلسطيني، وإيجاد المعنى الواسع في المفاهيم والمواقف المعقدة، والعمل بشكلٍ جماعي مع الفريق، وسدّ ثغرات بعضهم البعض لتحقيق الهدف المشترك، والانتباه بشكل معمّق لوجهات النظر المخالفة لرأيي.

وسيلة للحوار البناء

ومن جهتها، تتحدث مدربة المناظرات والحاصلة على أفضل مناظرة على مستوى الجامعات الفلسطينية قبل أعوام هداية حسنين أن أهمية المناظرات تنبع من كونها وسيلة للحوار المختلف والبناء، فلا بد لطالب في المرحلة الجامعية أن يتعلم طريقة الاختلاف بالحجة والمنطق والدليل، وألا يعتقد بقول معين، ويرفض آخر دون دليل، فهذه هي الأهمية الأساسية للمناظرات بأن يكون بناء على أسس يسود فيها احترام الآخر، وأكثر قدرة على تعميق وسائل الإقناع لكونها تعد وسيلة مقنعة جدًا.

وتعتقد أن من شأنها أن تؤهل الشباب للعمل النقابي والسياسي لكونها تفتح مجالًا أمام المناظر للتحدث أمام الجمهور في وقت محدد، وبالتالي فإنه يحتاج لتكثيف ما لديه ويركز كلامه في موضوع محدد بالإقناع سواء بالتأييد أو المعارضة، وفي النهاية فالمناظرات تبني الشخصية.

وتوضح حسنين أن الفائدة مرتبطة بالأهمية، لكونها تنبع من طريقة حوار مختلف، ويمكن أن يجني المناظر فائدة تقبل الآخر ويتعلم أن يستمع له، وتعلم البحث والتحليل النقدي والتفكير الإبداعي، والنظر في آراء الآخرين وبناء الشخصية للتعرف على مختلف التوجهات، لكون المناظر يقابل مختلف أنماط التفكير. 

وتبين أن تدريب المناظرين يعتمد على نموذج "كارل بوبر"، هو يقوم بتدريب المناظرين على قول خطاباتهم في الموقف الذي يطرح من القضية، ووفق هذا النموذج يتكون الفريق المناظر من ثلاثة أعضاء، كل متحدث يتحدث في الوقت المخصص له ويلتزم بالطريقة والاستراتيجية وبناء الموقف للفريق والأسلوب والتفنيد والردود على الآخر. 

وتؤكد أن المناظرات تصنع الشخصية، وتوسع الأفق، فهي ليست تجربة يتم خوضها وتنتهيـ بل لها ما بعدها.

تعزيز التفكير العقلاني

وفي هذا الإطار، تقول المديرة العامة لمؤسسة فلسطينيات، وفاء عبد الرحمن إن ما يحدث في الجامعات الفلسطينية بالسنوات الأخيرة يبين رؤيتهم الصحيحة وحاجة طلبة الجامعات للالتحاق في تدريبات ومناظرات، "لكونهم يتجهون في قضاياهم نحو العنف"، وفق قولها.

وتبعًا لـ"عبد الرحمن"، تهدف "فلسطينيات" من المناظرات للوصول إلى التفكير المنطقي والعقلاني وأثره في عقول الطلبة، وتكثيف جهودهم في قضايا البحث والمصادر الأكثر حيوية، ومحاولة لتجاوز الاحتلال خاصة في الصفة والانتصار عليه.

وتشير إلى أن المناظرات جزء من حماية النسيج الوطني والمصالحة الاجتماعية، ورفع الحواجز بين الضفة والقطاع.

وتنبه إلى أن "فلسطينيات" كانت تشرع في إيجاد هذه الثقافة بين الصحفيين ولمس مخرجاتها، "غير أن أزمة كورونا قطعت علينا الطريق"، مؤكدة أن الصحفيين أكثر حاجة للمناظرات وثقافة الحوار والتعددية، وامتلاك مهارات البحث والتحري.

وترى عبد الرحمن أن هناك خيطا يجب الانتباه له خاصة فيما يتعلق بالحديث عن قبول الآخر خوفًا من أن يفهمها البعض أنه يقصد بها (إسرائيل) ولكن تقصد بذلك خطاب الاختلاف السياسي، والتنمر والكراهية السياسية، وتقبل كل الألوان بالنقاش الفكري.

اخبار ذات صلة