تواصل السلطة الفلسطينية سياساتها (الإقصائية) القائمة على التفرد بالقرار الوطني والسياسي، وممارسة أقصى درجة من التمييز على أساس جغرافي، وكان أخرها قرار إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية دون غزة، في تطور خطِر ولافت لحالة الخداع التي تمارسها هذه السلطة على شعبنا وكل من يتابع الملف الفلسطيني، وتحقيقا لمصالح وأهداف تخدم التوجهات الحزبية في إطار "تأبيد حاكمية الحزب" وفرض سياسة الأمر الواقع، دون أي اعتبار لتطلعات شعبنا في التغيير الشامل.
لكن إذا ما توقفنا حول "الأسباب المباشرة" التي تدفع السلطة لإنجاز هذه الانتخابات بصورتها المشوهة فإننا نجد الكثير من الأسباب التي تدفعها لذلك دون القدرة على التراجع أو الانتظار ومنها: 1- محاولة تحقيق أي إنجاز يمكن تقديمه لـ (الشعب الفلسطيني، والدول المانحة، والهيئات الدولية المختلفة)،
2- إشغال الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي بخطوات جديدة تقدم عليها السلطة لتلفت الأنظار عن الانتكاسات بل الانتهاكات الخطِرة التي ارتكبت في مجال حقوق الإنسان، ولا سيما جريمة قتل المعارض السياسي نزار بنات، 3- التغطية على فشل برنامجها السياسي بعد أن خرجت صفر اليدين من مشوار طويل من التفاوض المعيب مع الاحتلال، 4- ممارسة سياسة الإلهاء وإظهار حرصها على تجديد الشرعيات بعد أن تورطت في تأجيل الانتخابات مرارا لأسباب غير حقيقية والتي كانت فيها خائفة من دفع (ثمن الخسارة) أمام حركة حماس والقوى الأخرى.
هذا بدوره يؤكد أن هذه الانتخابات بهيئتها وآلياتها وطريقتها الحالية لن تحقق أي نتائج صحية لشعبنا الفلسطيني، ولن تؤدي إلى علاج جذري لحالة الترهل التي أصابت (الشرعيات المهترئة) والتي أصبحت فيها المؤسسات عاجزة عن تمثيل شعبنا بالشكل الوطني اللائق، وفشلت في تحسين مستوى الخدمة، وأخفقت في حماية حقوقه وتأمين متطلباته، وبمعنى آخر فإن النتائج المترتبة على الانتخابات المحلية في الضفة ستفرز "نتائج على الورق"، ولن تحدث أي أثر قانوني وسياسي، وستفاجئ شعبنا أنها مجرد فقاعات خاوية المضمون وعمرها قصير لا تقوى على إحداث التغيير المطلوب، وعليه: فإن إشغال شعبنا بها عمل غير أخلاقي، وتسويقها على أنها إنجاز هو بيع جديد للوهم، والدفاع عنها ليس من الوطنية في شيء.
لذلك فإن الحل الأمثل لا يكون بإجراء انتخابات مجتزأة، إنما بإجراء انتخابات عامة وشاملة:( رئاسية، وتشريعية، ومجلس وطني) حينها يمكن الحديث عن تغيير حقيقي يمكن أن تفرزه هذه الانتخابات، وهذا ما تعارضه السلطة في رام الله وحركة فتح، لأنها تدرك تماما تبعات الموافقة على إجراء هذه الانتخابات، وهذا ما يدفعها لوضع العراقيل والاشتراطات بشكل دائم، فضلا عن تسببها بالتأجيل مرارا، فالأمر ليس مجرد تحليل إنما حقيقة متجسدة وظاهرة للعيان لا يمكن إخفاؤها، ولا يمكن لأحد الدفع بأن السلطة وفتح حريصتان على تجديد الشرعيات، لأنه سيكون حينها مطبلا لهذه السلطة وليس موضوعيا.
لأنه وبكل بساطة لدى السلطة وقيادة فتح أسبابها التي تدفعها إلى التهرب والمراوغة ويمكن استعراضها: 1- خشيتها من خوض الانتخابات أمام قوى فلسطينية قوية ومؤثرة ولها حضور في الشارع الفلسطيني، 2- الخوف من الفشل وعدم الفوز في الانتخابات؛ الأمر الذي سيضعها في موقف حرج، 3- بسبب التحذيرات الإسرائيلية والعربية للسلطة بأن الانتخابات لن تكون في صالحها، وأنها يمكن أن تشكل فرصة لفوز حركة حماس وإعادة تمكينها في الضفة، 4- القلق من أن أي جولة مقبلة يمكن أن تجعل حركة فتح وقيادات السلطة خارج اللعبة السياسية، 5- الصراعات الفتحاوية البينية وعدم نجاح الحركة في ترتيب صفها الداخلي.
وعليه: فإنه وفي ظل هذه المعطيات لا يمكن التنبؤ بإجراء انتخابات شاملة وعامة في الفترة القريبة المقبلة، لأن المشهد الفلسطيني أصبح أكثر صعوبة وتعقيدا في ظل تنصل السلطة وفتح من كل التفاهمات السابقة، وتهربها من أي التزامات أبرمت بوساطة عربية، واستعدادها للقيام بأي خيار متهور بعيدا عن أي توافق وطني في سبيل تكريس وجودها وإقصاء خصومها السياسيين بأي ثمن.