قائمة الموقع

إصدارات الأسر توازي فكرة الحرية وتتمرد على آلة السجن

2021-12-11T08:42:00+02:00
صورة أرشيفية

يمر أي عمل كتابي يصدر من داخل السجون برحلة شاقة، ولكن بمجرد أن يرى النور فإن مشاعر الأسير تتبدل وتتملكه فرحة غامرة ليس لها وصف سوى وصف خروج الأسير نفسه من الأسر.. هكذا كانت مشاعر الأسير المحرر محمد أحمد أبو عوض لحظة إصداره أول عمل كتابي وهو في داخل الأسر.

يقول لصحيفة "فلسطين": "أي لحظه يتم فيها التغلب على آلة السجان القمعية هي انتصار تم انتزاعه انتزاعًا من السجان، وإنجاز وطني يعتبره الأسير، كأنما هو عرس وطني بين الأسير ونفسه، ناهيك بانعكاساته على رفاقه داخل الأسر، فهي دفعه معنوية وحماسية عالية على أنفسنا، بالإضافة إلى أثرها في نفوس أهله خاصة والديه مما ينزل في نفوسهم الطمأنينة والسكينة عليهم والفخر بابنهم وإنجازه".

يوضح أبو عوض (42 عامًا) وهو من مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس، وكان قد اعتقل في عام ٢٠٠٣ وأفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، أن كتابة الأسير أداة من أدوات التواصل مع المحيط الخارجي سواء كان بالرسائل مع الأهل عبر إدارة السجون، أو عبر الأسرى أنفسهم من خلال النقليات وهذا دوما يتم بعيد عن أعين السجان. 

ويضيف: "الكتابات الأدبية هي بالدرجة الأولى تواصل بين الأسير ونفسه فضلًا عن أنه تواصل بين الأسير ومجتمعه أو ما هو خارج السجن، بالتالي هذا لا يعجب السجان وطاقمه الأمني لذلك يواجه هذا العمل الكثير من التحديات والعقبات".

ويشير أبو عوض إلى أن الكتابة داخل الأسر يلاحقها السجان، وفي كثير من الأحيان كان السجان يصادر الأوراق التي تضم في ثناياها خواطر وأفكار الأسير في أثناء عمليات التفتيش القمعي التي يجريها السجان، وبالتالي يتم تمزيقها أو بالأحرى هي بمثابة إعدام لأفكار الأسير المكتوبة.

ويقول إن كتابه "نسمات خلف قضبان" كان مخطوطًا منه ثلاث نسخ، نسختان لم يحالفهما الحظ وتم مصادرتهما واتلافهما، وثالثة كُتب لها الحرية، "فالمسألة شاقة أن تجدي تعب سنوات يتم إتلافه وإعدامه بلحظات، فلا عجب الأسير أن يعيش حالة حرب مستمرة مع السجان".

ويصف الكتابة داخل السجن بأنها فعل يمارسه الأسير للهروب بعيدًا عن أسوار السجن وعزلته، لافتًا إلى أن الكتابة تولد في ظرف استثنائي بحكم البعد وفقدان الحرية في معناها المعنوي والفيزيائي، وأيضا لها ظرف استثنائي آخر ألا وهو ملاحقة السجان للأوراق.

ويتابع أبو عوض حديثه: "يستحضر الأسير خواطره، أو بالأحرى خواطره تستحضره في كلمات مكتوبة يتجسد فيها آلام فقدان أشخاص لهم موقعهم في نفس الأسير، وبالتالي كثيرا ما كانت الكلمات تفرض نفسها بقوة إحساس الأسير بالظرف الذي يحيطه، وكأن الخواطر والأفكار هي شخص الأسير في كلمات على أوراق، أو يرسم نفسه في سطور".

ويتحدث بأن تجربة الكتابة داخل الأسر تختلف عن خارجه، ففي الأخيرة تصالح دائم مع الذات وهي فترة واضحة ودقيقة بعيدة عن المجاملات والتنميق أو التزييف، بالإضافة إلى أنها حالة حرب مستمرة على الدوام مع السجان في حرب وجود أو لا وجود.

استثمار في الوقت

بينما الأسير المحرر رأفت حمدونة الذي قضى حكمًا بالأسر مدة 16 عامًا بتهمة الاعتداء على جنود الاحتلال الإسرائيلي، اعتقل وفي مكامن صدره موهبة الكتابة الذي عمل استثمارها بأول عمل أدبي بعد عامين من الاعتقال "نجوم فوق الجبين" برفقة أسير آخر، لينطلق بعدها لأعمال أخرى كتيب ضم رسائل فتحي الشقاقي للأسرى "ما بين السجن والمنفى حتى الشهادة"، وأصدر أيضًا خلال فترة اعتقاله أربع روايات في الأدب.

ويبين أن الأسر يتحول إلى بؤرة للتعليم والإبداع في ظل محاولات إدارة مصلحة السجون تدمير نفسيته وإحباطه ليخرج منه عالة على المجتمع، ولكن الأسير يحاول ملء وقته بما هو مفيد في التعلم والكتابة واللغات.

وإذ يشير حمدونة إلى أن لأدب السجون ظروفه التي تختلف عن الكتابة في الصالونات المكيفة والراحة النفسية، فالأول فيه قدر كبير من المصداقية ويخرج من رحم المعاناة وتحت ظروف صعبة، رغم أنه قد يفتقر بعضها للمقومات الأدبية.

ويقول: "رغم ظروف الأسر والمعاناة التي يعيشها إلا أن الأسير يستطيع أن يستحضر أفكاره الإبداعية الخاصة بالكتابة، ويحاول الاحتلال مصادرة الكتابات وإعدامها، ولكن الأسير يعمل بكل طاقته من أجل تهريبها عن طريق الزيارات أو الأهل، أو عن طريق كتابتها بخط متمتم صغير جدًا على ورق شفات ووضعها في كبسولة وبلعها من أجل الحفاظ عليها، رغم خطورة ذلك على صحته، اليوم يتم نقلها عن طريق الجوالات".

ويلفت إلى أن الأسير يحاول أن يرسل رسالته الأدبية والوطنية لشعبه، يحمل همًا وطنيًا وينشر الوعي بتجربته للخارج، ليشعر بنشوة الانتصار على السجان بمجرد أن يرى إنتاجه الفكري أو الثقافي النور. 

اخبار ذات صلة