فلسطين أون لاين

تقرير انتفاضة الحجارة.. ذكريات حاضرة في وجدان الفلسطينيين وأوجاعها لم تنتهِ

...
صورة أرشيفية
غزة/ أدهم الشريف:

عندما اندلعت انتفاضة الحجارة لم يكن المواطن الجريح محمد أبو عيطة يتجاوز العشرين عامًا من عمره، لكنه رغم ذلك شارك فيها ولا يزال يذكر أدق تفاصيلها بعد مرور سنين طويلة على اندلاعها تزامنًا وتصاعد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويعد أبو عيطة (50 عامًا) من سكان حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة واحدًا من المواطنين الذين لا يزالون يعانوا تبعات القمع الإسرائيلي العنيف للمتظاهرين الذي استخدموا وسائل مختلفة، منها الحجارة والمقلاع، في مواجهة قوات الاحتلال المدججة بالأسلحة الرشاشة.

واندلعت انتفاضة الحجارة في 9 ديسمبر/ كانون الأول 1987 في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وسميت هكذا لأن الحجارة كانت أداة الهجوم والدفاع التي استخدمها الشعب الفلسطيني ضد جيش الاحتلال، وتميزت تلك الانتفاضة بمشاركة الأطفال والنساء في قذف الجنود بالحجارة.

وامتدت الانتفاضة حينها إلى منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي، إلى أن قدِمت السلطة إلى الأراضي الفلسطينية وأقامت حكمًا ذاتيا، ومنذ ذلك الحين والفلسطينيون يحيون ذكرى انتفاضتهم كل عام.

إعاقة مستديمة

وكان أبو عيطة قد شارك في مواجهات دعت إليها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 26 يوليو/ تموز 1991، فأصابه جنود الاحتلال برصاصة في رأسه خرجت من رقبته، مسببة له تداعيات خطِرة جدا لا يزال يعانيها إلى اليوم.

وسببت الرصاصة لأبو عيطة شللا نصفيا دائما، بعدما مست الرصاصة الجزء العلوي من عموده الفقري، وجعلته غير قادر على الحركة إلا بعكاز لا يمكنه التخلي عنه، إضافة إلى مضاعفات في السمع والصوت، إذ إنه بالكاد عندما يتحدث يسمع صوته ويفهم كلامه.

يقول أبو عيطة لصحيفة "فلسطين": إن جنود الاحتلال كانوا يطلقون النيران بكثافة صوب المتظاهرين الذين لم يملكوا حينها سوى حجارة كانوا يلقوها في أي مواجهة تندلع.

ويدرك أبو عيطة جيدًا أن لجوء جنود الاحتلال للقمع العنيف ضد المتظاهرين الفلسطينيين لم يكن يُعبِّر إلا عن حالة ضعف وجبن لديهم وهم محصنون داخل جيبات وثكنات عسكرية كانت تنتشر في مستوطنات الاحتلال بغزة قبل اندحاره.

ويؤمن أبو عيطة أن انتفاضة الحجارة كانت محطة مهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته، مؤكدا أنه ليس بإمكانه نسيان تلك الأيام التي عاصرها في أول شبابه، لما شهدته من مشاهد وحدوية كان خلالها الجميع على قلب رجل واحد في مواجهة جنود الاحتلال آنذاك.

وكانت شرارة الانتفاضة انطلقت في إثر دهس سائق شاحنة إسرائيلي مجموعة من العمال شمالي قطاع غزة، في 8 ديسمبر 1987، ما أدى إلى استشهاد عدد منهم.

وبدأت مواجهات دامية بين الشعب الفلسطيني وجنود الاحتلال يوم 9 ديسمبر من ذلك العام، اندلعت شرارتها من مخيم جباليا للاجئين شمالي القطاع، غضبا من جريمة الدهس، ولاحقًا امتدت المواجهات لمختلف مناطق قطاع غزة والضفة الغربية، بالتزامن مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية التي شملت الاعتقالات والإبعاد إلى خارج الأراضي المحتلة، والاستيلاء على الأراضي لبناء المستوطنات، وجباية الضرائب وفرض حصار على الفلسطينيين.

مشاهد حيَّة

وتضمنت الانتفاضة العديد من المشاهد القاسية التي أثارت غضب الفلسطينيين، وتضامن المجتمع العربي والدولي معهم، كان من بينها مشهد التقط في 26 فبراير/ شباط 1988، لمجموعة من جنود الاحتلال وهم يضربون مواطنَين بوحشية، مستخدمين الحجارة لتكسير أطرافهما، تنفيذًا لسياسة "تكسير العظام"، حتى بات هذا المشهد يعدُّ من أيقونات انتفاضة الحجارة.

وفي هذا المشهد المصور بالفيديو الذي لا يزال يعرض على وسائل الإعلام ويتداوله النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة من جنود الاحتلال ينهالون بالضرب على مواطنَين بالحجارة على سفح مكان مرتفع، وهما وائل جودة (49 عامًا) وابن عمه أسامة.

وكان وائل عمره حينها 17 عامًا وابن عمه يكبره بعام واحد فقط، وحصل الاعتداء على سفح تل، قرب قريته "عراق التايه" القريبة من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، ثم تمَّ سحلهما مسافة كيلومتر قبل اعتقالهما.

والعدوان الذي تعرض له ابنا العم كان تنفيذًا لسياسة "تكسير العظام" التي انتهجها جيش الاحتلال لقمع الانتفاضة والمتظاهرين، بتعليمات من إسحاق رابين رئيس وزراء الاحتلال آنذاك، الذي اغتيل منتصف تسعينيات القرن الماضي.

وكان جودة قال عن الاعتداء إنه حدث ليس عاديًّا أو عابرًا، ويصفه أنه "وسام للقضية الفلسطينية، ووصمة عار في جبين الاحتلال".

ومن الذكريات المؤلمة التي لا تزال عالقة في أذهان الفلسطينيين، حكاية مبعدي مرج الزهور جنوب لبنان.

ففي 17 ديسمبر 1992، قرر رابين إبعاد 415 فلسطينيا غالبيتهم العظمى من قادة حركة حماس.

وجاء قرار الإبعاد حينها في إثر رفض حكومة رابين الاستجابة لمطالب كتائب القسام بإطلاق سراح مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين من السجون، مقابل تسليم الرقيب أول في جيش الاحتلال "نسيم توليدانو"، وبعد يومين من انتهاء المهلة التي حددتها الكتائب بتاريخ 14 ديسمبر 1992، عُثر على جثة "توليدانو" على طريق القدس أريحا؛ ما جن جنون رابين، الذي أعلن حربه على حماس والمقاومة من داخل "الكنسيت" الإسرائيلي.

لكن رغم ذلك استمرت المقاومة الفلسطينية وشهدت تطورًا كبيرًا مع اندلاع انتفاضة الأقصى نهاية عام 2000، ونجحت في دحر الاحتلال ومستوطنيه من غزة، وأسر جنود إسرائيليين ومبادلتهم بأسرى داخل السجون، كان أبرزهم جلعاد شاليط الذي بادلته حماس بـ 1047 أسيرا وأسيرة على عدة مراحل.