لم يتأخر أهالي مدينة اللد عن النزول إلى الشوارع والالتفاف حول المسجد العمري الكبير الذي يقع في قلب المدينة، في أولى دعوات النفير العام والنزول لشوارع البلدة القديمة للتصدي لمسيرة الأعلام التي نظمها مستوطنون إسرائيليون متطرفون مساء أول من أمس، بدعوة من منظمات استيطانية.
الدرع الذي شكله أهالي اللد حول البلدة القديمة ومسجدها الكبير، دفع شرطة الاحتلال لحرف مسار المسيرة عن الخطة التي رسمها المستوطنون، ليمنى الاحتلال بفشلٍ جديد بعد فشله في تنظيم المسيرة في مدينة القدس في مايو/أيار الماضي، ويؤكد أهالي اللد قدرة الإرادة الشعبية على حماية نفسها ومقدراتها والتأثير في مستقبلها.
مركز تاريخي
ومنذ عقود وضع موقع المسجد التاريخي وأهمية المدينة ذاتها، اللد على مجهر التهويد الإسرائيلي. فالمسجد العمري الكبير مَعلم ومسجد تاريخي إسلامي، بُني بأمر من السلطان المملوكي الظاهر بيبرس بعد استعادة اللد من الصليبيين، واكتمل بناؤه في عام 1268 ميلادي، وحمل اسم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.
وهناك كتابات أثرية تشير إلى أن الظاهر بيبرس هو من تولَّى رعاية هذا المسجد، إذ نقش على مدخل المسجد بعد البسملة: "أمر بعمارة هذا الجامع المبارك السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين أبو فتح بيبرس الصالح قسيم أمير المؤمنين أعز الله أنصاره بولاية العبد الفقير الراجي عفو ربه علاء الدين الصالحي غفر الله له في شهر رمضان المعظم سنة ستة وستين وستمائة".
ويذكر المؤرخ محمد بن عمر الواقدي أن للمسجد قبة ومئذنة واحدة، ويقوم على آبار كبيرة كانت تستخدم في القديم لجمع مياه الشتاء، وأشهر هذه الآبار، بئر الطلّاق الذي بناه الأغا مصطفى أحد قادة الظاهر بيبرس.
ويشير الواقدي إلى أن العهدة العمرية جاءت لأهل مدينة اللد كالعهدة العمرية لأهالي القدس. كما اتخذ عمرو بن العاص مدينة اللد عاصمة لجند فلسطين.
ويعد المسجد الكبير أقدم مساجد اللد، وكان واحدًا من اثنين من المساجد في المدينة قبل احتلالها على يد العصابات الصهيونية عام 1948م، إذ تم احتلال اللد ضمن "عملية داني" التي تعد من كبرى العمليات العسكرية التي نفذتها بها قوات "البلماح"، و"هرئل"، و"يفتاح" وغيرهم من وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي المؤلفة من آلاف الجنود المجهزين بالأسلحة والخبرة والتدريب.
وتشير المراجع التاريخية إلى أنه حين وصلت العصابات إلى الجامع وكنيسة الخضر (القديس جيرجيوس) انتشروا حولهما في وحدات صغيرة، يدخلون بيوت المنطقة ويخرجون منها الأهالي ويحضرونهم إلى داخل الجامع إلى أن امتلأت ساحته بمئات الأهالي.
ويذكر الشهود أن الجو كان خانقًا وحرارة الطقس عالية، لذا أغمي على الكثيرين في ساحة المسجد من شدة الخوف والحرارة والعطش، فضلًا عن ذلك كان الجنود يطلقون الرصاص فوق رؤوسهم لتخويفهم.
ويشبه المسجد من الناحية المعمارية المساجد التي بنيت في صدر الإسلام، ففيه مدخل وساحة مكشوفة يحدّها رواقان من الجهة الشرقية والغربية، ويشكّل بيت الصلاة فيه الواقع في الجهة الجنوبية كبرى وحدات الجامع.
وكانت اللد تسمى سابقًا بعاصمة فلسطين القديمة، ولها أهمية تاريخية فهي تقع على بعد 38 كم شمال غرب القدس، أسسها العرب الكنعانيون في الألف الخامس قبل الميلاد.
وفي عام 1892م افتتح خط القطار الأول في فلسطين من يافا إلى القدس عبر اللد والرملة، وقد ربطت السلطات العثمانية مدينة اللد بسكة حديدية جديدة مرت من مرج بن عامر جنوبًا عبر جنين وطولكرم.
مركز إستراتيجي
ويقول الناشط والصحفي الفلسطيني في الداخل المحتل ضياء الحاج يحيى: إن للمسجد موقعًا تاريخيًّا واستراتيجيًّا، إذ يجمع كل حارات اللد ويشكل مركزًا إستراتيجيًّا في عمق البلدة القديمة ويقود إلى كل الأحياء العربية في المدينة.
ويوضح أن المسجد يعبر عن الهوية الفلسطينية، إذ تقام فيه الاجتماعات الشعبية والوطنية، ويعد شوكة في حلق الاحتلال فهو ليس مكانًا للعبادة فقط بل ملتقى شعبي ووطني.
ويلفت الحاج يحيى لصحيفة "فلسطين" إلى أن الأهالي سارعوا إلى التواجد المكثف حول المسجد منذ اللحظات الأولى التي أطلقتها اللجان الشعبية والقوى الوطنية وتجمعوا حول المسجد، وكان مستوى التفاعل كبيرًا، مذكرًا بتفاعل الأهالي في مايو/ أيار الماضي في إثر محاولات المستوطنين السيطرة على منازل حي الشيخ جراح والحرب العدوانية التي تعرض لها قطاع غزة.